تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأمر رائحة تحيز لليهود؟ لكن كيف يكون ذلك وقد حمل عليهم فى ترجمته للقرآن التى نحن بصددها حملات عنيفة واتهمهم فى عقيدتهم وأخلاقهم وزَنَّهم بالغرور والكبر؟ فما الأمر إذن؟

كذلك نراه يقول فى موضع آخر إن شريعة موسى هى أول شريعة إلهية وإنه لهذا السبب صار بنو إسرائيل أئمة [131]. وهى دعوى أخف كثيرا من الدعوى السابقة، لكن هل يستطيع أحد الجزم بأن شريعة موسى هى أول شريعة سماوية؟ إن من الصعب جدا الموافقة على أن السماء قد تركت البشر منذ بدء الخليقة حتى عهد موسى دون هداية تشريعية! ثم إن الإمامة المذكورة فى الآيتين السابقتين لا تعنى إمامتهم للبشر فى جميع العصور بل فى عصرهم فقط، وإلا فقد فضلهم الله يوما على العالمين، ولا يقول عاقل إنه تفضيل مطلق يشمل كل زمان ومكان، وهو رأى محمد أسد نفسه كما سيلى بعد قليل.

على أية حال فقد رجم كاتبنا اليهود كثيرا فى هوامش ترجمته للقرآن، فأبرز وصف العهد القديم لهم بالغرور والتمرد والعناد كما فى "خروج"/ 31/ 9، و33/ 3، و34/ 9، و"تثنية"/ 9/ 6 - 8، 23 - 24، 27 [132]، وحمل على اعتقادهم المتصلب بأنهم شعب الله المختار وأنهم، بسبب ما فى أيديهم من الكتاب، ليسوا بحاجة إلى أية هداية أخرى، فقلوبهم مفعمة من العلم بما يغنيهم عن الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن الذى جاء به [133]. ومن هذا المنطلق يعلق على قوله تعالى: "قل: هل أنبّئكم بشَرٍّ من ذلك مثوبةً عند الله؟ مَنْ لَعَنَه الله وغَضِبَ عليه وجعل منهم القِرَدة والخنازير وعَبَدَ الطاغوت. أولئك شرٌّ مكانًا وأضلُّ عن سَواء السبيل" [134] بأن المقصود هم المنافقون، وبخاصة منافقو أهل الكتاب من اليهود (وغيرهم) لأن كونهم أهل كتاب قد جعلهم أعرف بالحق من سواهم، وكان المظنون إذن أن يتبعوه ويكونوا أطهر سلوكا [135]، وإن عاد فى موضع آخر فقال، فى تفسير آية "والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزَّل من ربك بالحق"، إنها تشير، فيما يبدو، إلى الإدراك الغريزى الذى لا يتجاوز حد اللاشعور عند بعض أهل الكتاب بأن القرآن هو فعلا وحى إلهى [136]. لقد قال مرارا، حتى فى أثناء كلامه هنا، إنهم حرفوا التوراه وتجاهلوا ما فيها من نبوءات عن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فلماذا إذن هذه النغمة المنخفضة التى قد تبدو وكأنها تبسط لهم العذر؟ [137]

وفى مواضع مختلفة من الترجمة نراه يُبْرِز طبيعة اليهود فى التمرد على الله وكفرهم بآياته واعتقادهم أنهم شعب الله المختار لا لشىء إلا لأنهم ذرية إبراهيم بالجسد رغم انحرافهم عن دين إبراهيم الحق، وهو اعتقاد مناقض لأى مبدإ دينى كما يقول. كذلك يُلِحّ على معاقبة الله لهم على هذا الغرور والكبر بالتحريمات والتشريعات القاسية مثل تحريم العمل عليهم يوم السبت مثلا [138]. وهو يشير إلى إجماع القرآن والكتاب المقدس على دينونة عصيانهم المتكرر وتمردهم المستمر على ربهم [139]، كما يهاجمهم قائلا إن الله إذا كان قد اختارهم على العالمين فإنهم لم يصمدوا لهذا الاختيار كما يشهد بذلك تاريخهم المذكور فى الكتاب المقدس نفسه، وإن أغلبية بنى إسرائيل، وعلى رأسهم الصدوقيون الذين يمثلون الأرستقراطية الكهنوتية، صاروا ينكرون البعث والحساب الأخروى ويتمسكون بالنظرة المادية للحياة [140]. وبالمثل يهاجم طائفة الفريسيين مؤكدا أنهم رمز على الغرور الدينى والأخلاقى، إذ لا يستطيعون أن يبصروا فى أنفسهم شيئا من العيوب [141]. وكان قد أشار فى موضع سابق عند شرحه للآية 80 من "البقرة" إلى ما يسود بينهم من اعتقاد شعبى مؤداه أن المذنبين من بنى إسرائيل لن يمكثوا فى النار إلا فترةً جِدِّ محدودة سرعان ما يخرجون بعدها، لا لشىء إلا لأنهم شعب الله المختار، وهو ما ينكره عليهم القرآن الكريم [142]. ومن هذا الوادى تفسيره لـ"الشطط" المذكور فى قوله تعالى على لسان الجن [143] فى السورة الموسومة باسمهم: "وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا" بأنه، فيما يبدو، اعتقاد بنى إسرائيل بأنهم شعب الله المختار [144]. ومنه أيضا قوله إن "الكذب" المشار إليه فى قوله تعالى من نفس السورة: "وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا" هو السحر والعرافة والتنجيم وسائر المعارف السرية الغامضة المتعلقة بهذه الأمور [145]. كذلك تكلم عن معاصرى النبى من يهود بنى النَّضِير وبنى قُرَيْظَة وغيرهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير