تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وخيانتهم للعهد الذى كان بينهم وبين المسلمين (عهد الصحيفة) وتآمرهم مع المنافقين ضد الإسلام ورسوله واستحقاق الأولين للنفى عقب حصار دام واحدًا وعشرين يوما، وانتهاء أمر القُرَظِيِّين بالقتل والأسر بعد أن وضعوا أيديهم فى أيدى المشركين أثناء غزوة الأحزاب ابتغاء طعن المسلمين فى مقتل [146]. وهو نفسه ما يقوله فى ترجمته لـ"صحيح البخارى، بَيْدَ أننا نجده مع ذلك يقول فى أحد هوامشها، فى معرض تأكيده بأن النبى عليه الصلاة والسلام لم يكن ينطوى تجاه اليهود على أية مشاعر عدائية، إنه على العكس من ذلك كان يعجب بما عندهم من علم دينى [147]. ولقد كنت أتمنى لو أنه ساق لنا الشواهد على هذا الإعجاب النبوى المزعوم، أما إلقاء الكلام على عواهنه فلا يكفى.

على أن ما يسترعى الانتباه بل الاستغراب هو أن محمد أسد، فى المرتين اللتين تعرض فيهما لتفسير العبارة التى كان اليهود يخاطبون بها سيدنا رسول الله ونَهَى القرآنُ المسلمين عن استعمالها فى حديثهم معه صلى الله عليه وسلم، وهى قول سلالة القردة والخنازير: "راعِنا"، لم يشر فى المرة الأولى إلى ما فى تلك العبارة من سفالة يهودية سفيهة، بل اكتفى بالقول بأن القرآن قد نهى المسلمين عن مخاطبته عليه السلام بهذه الكلمة احتراما له وخضوعا لأوامر الوحى النازلة عليه [148]، غير مشير إلى اليهود أثناء ذلك البتة، أما فى تفسير الآية 46 من سورة "النساء ونصها: "مِن الذين هادوا يحرِّفون الكَلِم عن مواضعه ويقولون: سمعنا وعصينا، واسمع غير مُسْمَعٍ وراعِنا، لَيًّا بألسنتهم وطَعْنًا فى الدين"، فلا يزيد عن القول بأن عبارة "اسمع غير مُسْمَع"، التى كان اليهود (كما يقول) يتخاطبون بها فيما بينهم، إنما تصف موقفهم من العهد القديم ومن القرآن على السواء، دون أن يتطرق هنا أيضا إلى ما فى الكلام من سفالة وسفاهة يهودية معروفة، إذ إن عبارة:"راعِنا"، كما يوضح العارفون بلغة اليهود، تتطابق من حيث النطق مع اللفظة العبرية ? لاـ (‘ ra بالحروف اللاتينية) بمعنى "شرير خبيث، منحط ... إلخ". فهم، عليهم لعائن الله، يتظاهرون بأنهم إنما يلتمسون منه صلى الله عليه وسلم أن يراعيهم، على حين أنهم يقصدون شتمه عليه السلام. وغرابة الأمر تكمن فى أن أسد كان يعرف العبرية والتراث الدينى اليهودى فى لغته الأصلية معرفة واسعة كما يذكر هو عن نفسه [149]، فضلا عن أن المتوقع منه أن يكون على اطلاع كبير على ما كتبه العارفون بتلك اللغة عما فى العبارة من خبث يهودى منحطّ وحقد على النبلاء الأفذاذ من بنى البشر، وبخاصة الرسل الكرام.

وعلى العكس من ذلك فإنه، فى تعليقه على قوله جل جلاله من سورة "المجادلة" مخاطبا رسوله: "وإذا جاؤوك حَيَّوْكَ بما لم يُحَيِّك به الله"، يقول إن هذه إشارة إلى الموقف العدائى الذى اتخذه يهود المدينة من الرسول عليه السلام، إذ كانوا عند تحيتهم له هو وأصحابه، يلوون ألسنتهم ويغمغمون قائلين: "السَّام عليكم" [150] بدلا من "السلام عليكم". وقد وصف أسد هذا التلاعب بالكلمات بالفحش والبذاءة [151].

وأشد من ذلك إمعانا فى الغرابة أن أسد، بعد كل الذى قاله فى اليهود، يعود فيقرر انهم (ومِثْلُهم فى ذلك النصارى والصابئون والمجوس) ناجون يوم القيامة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ما داموا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا، أى دون أن يدخلوا فى الإسلام وينضووا تحت لواء سيد الرسل والنبيين [152]، رغم ما أكده هو نفسه من أن الإسلام يَعُدّ الكفر بأى من الرسل خطيئة تكاد أن تعدل الكفر بالله ذاته [153]، وكذلك رغم ما كرره مرارا من أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هى رسالة عالمية للبشر جميعا على اختلاف أجناسهم وعصورهم وبلادهم [154]، وثالثا رغم ما أكده من أن العهد القديم قد تنبأ بمجىء محمد صلى الله عليه وسلم وأوجب على اليهود الإيمان به [155]، ورابعا رغم ما فسر به قوله تعالى فى الآية 105 من "النحل": "إنما يَفترى الكذبَ الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون" من أن الكافرين هنا هم كل من يرفض الإيمان بصحة الوحى المحمدى متهمين إياه بأنه مجرد أوهام مَرَضيّة أو اختلاقات متعمَّدة [156]، وخامسا رغم ما قاله من أن الإسلام، وإن كان معناه "إسلام النفس لله"، ومن ثَمَ فكل من يؤمن بالله الواحد الأحد إيمانا سليما ويؤمن برسالاته فهو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير