تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القول بالنسخ أو عدمه مبنيٌّ على فهم معنى الآيةِ المنسوخةِ موضوعَ البحث، هل هو متعارض مع الآية الناسخة، لذلك سيكون هناك ذكر ضمن الأدلة لمعنى الآية ووجوه الإعراب المترتبة على المعنى، وستتضح أهمية ذلك عند ذكر أدلة القائلين بنفي النسخ.

* قالوا: (إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية) [البقرة:180]: فرض الله إذا أوشك أحدكم على الموت، وكان ذا مال أن يوصي بثلثه لوالديه وأقربائه بالعدل والمساواة، وكان هذا الحكم سارياً في أول الإسلام قبل تعيين المواريث، فلما نزلت آيات المواريث نسخ هذا الحكم.

* الآية تشعر بتفويض تعيين المقدار الموصى به إلى ما يراه الموصي، وأمره بالعدل بقوله: {بالمعروف}، فتقرر حكم الإيصاء في صدر الإسلام لغير الأبناء من القرابة زيادة على ما يأخذه الأبناء، ثم إن آية المواريت التي في سورة النساء نسخت هذه الآية نسخاً مجملاً، فبينت ميراث كل قريب معين، فلم يبق حقه موقوفاً على إيصَاء الميت له، بل صار حقه ثابتاً معيناً رَضي الميت أم كره، فيكون تقرر حكم الوصية في أول الأمر استئناساً لمشروعية فرائض الميراث، ولذلك صدر الله تعالى آية الفرائض بقوله: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] فجعلها وصية نفسه سبحانه إبطالاً للمنة التي كانت للموصي.

وبالفرائض نسخ وجوب الوصية الذي اقتضته هذه الآية، وبقيت الوصية مندوبة بناء على أن الوجوب إذا نسخ بقي الندب، وإلى هذا ذهب جمهور أهل النظر من العلماء، الحسن وقتادة والنخعي والشعبي ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأحمد وجابر بن زيد، ففي البخاري في تفسير سورة النساء عن جابر بن عبد الله قال: عادني النبي وأبو بكر في بني سَلِمَة ماشِيْين فوجدني النبي لا أعقل فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش عليَّ فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أَصنع في مالي يا رسول الله فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] الآية اهـ. فدل على أن آخر عهد بمشْروعية الوصايا سؤال جابر بن عبد الله، وفي البخاري عن ابن عباس كان المال وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب الخ.

* لم يفتتح بـ {يا أيها الذين آمنوا} لأن الوصية كانت معروفة قبل الإسلام فلم يكن شرعها إحداث شيء غير معروف، لذلك لا يحتاج فيها إلى مزيد تنبيه لتلقي الحكم، ومناسبة ذكره أنه تغيير لما كانوا عليه في أول الإسلام من بقايا عوائد الجاهلية في أموال الأموات فإنهم كانوا كثيراً ما يمنعون القريب من الإرث بتوهم أنه يتمنى موت قريبه ليرثه، وربما فضلوا بعض الأقارب على بعض، ولما كان هذا مما يفضي بهم إلى الإحن وبها تختل الحالة الاجتماعية بإلقاء العداوة بين الأقارب كان تغييرها إلى حال العَدل فيها من أهم مقاصد الإسلام.

* والقائلون بالنسخ يقول منهم مَنْ يرون الوصية لم تزل مفروضة لغير الوارث: إِن آية المواريث نسَخَت الاختيار في الموصَى له والإطلاق في المقدار الموصَى به، ومَن يرى منهم الوصية قد نسخ وجوبها وصارت مندوبة يقولون: إن آية المواريث نَسَخت هذه الآية كلها فأصبحت الوصية المشروعة بهذه الآية منسوخة بآية المواريث للإِجماع على أن آية المواريث نَسخت عموم الوَالدين والأقربين الوَارثين، ونسخت الإطلاق الذي في لفظ (الوصية)، والتخصيصُ بعد العمل بالعام، والتقييدُ بعدَ العمل بالمطلق كلاهما نَسْخٌ، [هذا من كلام الإمام الرازي، وهذا مثال لاستناد العلماء على أصول وقواعد في قولهم بالنسخ أو عدمه]، وإن كان لفظ آية المواريث لا يدل على ما يناقض آية الوصية، لاحتمالها أن يكون الميراث بعد إعطاء الوصايا أو عند عدم الوصية بل ظاهرها ذلك لقوله:

{من بعد وصية} [النساء: 11]، وإن كان الحديثان الواردان في ذلك آحاداً لا يصلحان لنسخ القرآن عند من لا يرون نسخ القرآن بخبر الآحاد، فقد ثبت حكم جديد للوصية وهو الندب أو الوجوب على الخلاف في غير الوارث، وفي الثلث بدليل الإجماع المستند للأحاديث وفعل الصحابة، ولمَّا ثبت حكم جديد للوصية، فهو حكم غير مأخوذ من الآية المنسوخة، بل هو حكم مستند للإِجماع، هذا تقرير أصل استنباط العلماء في هذه المسألة، وفيه ما يدفع عن الناظر إشكالات كثيرة للمفسرين والفقهاء في تقرير كيفية النسخ.

* مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يوصِ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير