* لو كان الخطاب [كتب عليكم] موجها لمن يحضره الموت دون غيره -كما قالوا- لاختلفت هذهالآية الكريمة مع سياق المعنى والخطاب في الآيتين التاليتين لهذه الآية، فهاتانالآيتان تحملان أحكاما تخاطب الشاهدين على قول الموصي وولاة الأمور من تنفيذ قول الموصي .. فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَاسَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (182)
* لو كانت الآية -المزعوم نسخها- تخاطب كل من يحضره الموت،لأتت على الشكل التالي:كُتب عليكم إذا حضركم الموت إن تركتم خيرا، ولو كانت لا تخاطب منفذي الوصية
والشاهدين عليها وأولياء الأمور،لأتت على هذا الشكل {كُتب على أحدكم إذا حضره الموت ... } .. ولكن ما نراه أن الآية الكريمة التي تخاطب المؤمنين من شهود وأولياء وحكام مكلفين بتنفيذ الوصية التي يوصيها من يحضره الموت ..
"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا .. "
والآية الكريمة التالية تصور هذه الحقيقة من جانب آخر.
"يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْإِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)
إذن .. العبارة القرآنية [كُتب عليكم] هي خطاب تكليفي من الله تعالى للمؤمنين المحيطين بمن يحضره الموت من شهود وولاة أمور وحكام .. وما كُتب عليهم - ما يُطلب منهم - هو سماع ما يوصي به من يحضره الموت، والشهادة به عند الحاجة، والحكم به كما أمر الله تعالى .. أما الوصية فترتبط بمن يحضره الموت، ولا ترتبط بالمحيطين به الذين يخاطبهم الله تعالى بالعبارة القرآنية [كُتب عليكم] وما يؤكد ذلك هو تذكيرالفعل [كُتب]،في حين أن الوصية ترد في القرآن الكريم مؤنثة "ُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن، فماكُتب على المؤمنين ليس الوصية المؤنثةإنما سماع قول ووصية من يحضره الموت، والحكم بها، وإدلاء الشهادة بها حين الحاجةولو كان نائب الفاعل للفعل (كُتب) هو الوصية -حسب ما ذهب إليه معظمهم- لأنث الفعل كُتب (كُتبت عليكم .... الوصية).
وحجة من قال إن كلمةالوصية في الآية الكريمة هي نائب الفاعل للفعل كُتب، أن مخالفة الفعل لنائب الفاعل -بالنسبة لمسألة التذكير والتأنيت-ناتجة عن الفصل بين الفعل ونائب الفاعل .. وهذه الحجة مردودة لسببين:
1.إن نائب الفاعل للفعلكُتب يرتبط -كما رأينا - بالمحيطين بمن يحضره الموت،ولا يرتبط بمن يحضره الموت .. في حين أن الوصية ترتبط بمن يحضره الموت،ولا ترتبط بالمحيطين به.
2. صحيح أنهيجوز -بالنسبة للتذكير والتأنيث - مخالفة الفعل للفاعل إذا تم الفصل بينهما، ولكن في هذه الآية -المزعوم نسخها-لا بد أن يكون نائب الفاعل للفعل كُتب مذكراً، ودليل ذلك هو الآية الكريمة التي تليها مباشرة .. "فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) " فالضمير المتصل (الهاء) في الكلمات، ل [بدله]، [سمعه]، [إثمه]، [يبدلونه] يعود إلى نائب الفاعل للفعل (كُتب) في الآية - المزعوم تسخها، وهذا - كما نرى- يدل على التذكير ولا يدل على التأنيث .. فلا بد أن يكون نائب الفاعل للفعل (كُتب) في الآية الكريمة مذكرا، وبالتالي فإن كلمة الوصية ليست هي نائب الفاعل.
فنائب الفاعل للفعل كُتب هو كلمة عليكم المتعلقة بسماع القول والحكم .. وهكذا يكون تقدير الكلام:كُتب عليكم سماع قول أحدكم، والحكم به، وإدلاء الشهادة به حين الحاجة، إذا حضرهالموت إن ترك خيرا ..
وبذلك تكون كلمة الوصية في الآية الكريمة مبتدأ، وخبره متعلق بالوالدين، وبالتالي يكون معنى الصورة القرآنية "الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَبِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ" هو أن الوصية
لمن يحضره الموت،هيبالمعروف تحق حقا للوالدين والأقربين.
وإن ما ذهبوا إليه من أن المكتوب هو الوصية، وإن الخطاب موجه لمن يحضره الموت، أدى إلى توهمهم بوجود تناقض بين هذه الآية الكريمة وآيات المواريث والحديث الشريف) لا وصية لوارث ( .. إنالإسلام لا يمنع الوصية مادامت دون الثلث (صحيح البخاري (
وكما رأينا أنه في توزيع الإرث يقول الله تعالى " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ "
.. فالوصية موجودة ولا نرى استثناء في ذلك،وهذا لا يعني مخالفة ما يأمر اللهتعالى بهبالنسبة لتوزيع الإرث ..
وهكذا نرى الآية الكريمة -المزعوم نسخها- تصور لنا مسألة الوصية التي يدلي بها من يحضره الموت، وأنه مطلوب من المؤمنين سماعها والحكم بها،وأن تكون هذه الوصية بالمعروف وألا تحمل إثماً، وبحيث لا يحصل مخالفة لحصص المواريث التي يحددها الله تعالى في كتابه الكريم، وهذا بينه الحديث الشريف) إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه)
فهذه الآية متكاملة متعاضدة مع آيات المواريث، ومع الحديث الشريف، في تصوير أحكاممسائل الوصية والإرث، ولايوجد أي تعارض بينها وبين آيات المواريث أو الحديث الشريف
كما توهم مقرّو الناسخ والمنسوخ ..
انتهى كلام المهندس عدنان الرفاعي
¥