تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[روضة]ــــــــ[16 Feb 2006, 09:39 م]ـ

في المرحلة الثانية التي تم نشرها وجدنا أن هناك من نفى النسخ في آية الوصية كالإمام أبي مسلم الأصفهاني، وصاحب المنار، والمهندس عدنان الرفاعي.

جميعهم وصلوا للنتيجة نفسها، ولكن اختلفت طرقهم في إثبات ما يريدون.

كلام المهندس عدنان ـ فيما أرى ـ كان فيه خروج عن المعنى المتبادر من الآية، فتعسّف وقطع أوصال الآية الكريمة، وخرج بها عن ظاهرها، ليصل إلى إحكام الآية، وعدم تعارضها مع آية المواريث.

بيان ذلك:

يبني المهندس نفيه للنسخ ـ ليس في هذه الآية فحسب، بل في جميع القرآن ـ على نظرية، وهي أن "التكليف أمر مشترك بين الله تعالى والمؤمنين، الله تعالى يكلّفهم وهم ينفذون، وهذه الآية هي خطاب من الله تعالى، لجميع المؤمنين في كل مكان وزمان، ولا تخصّ جيلاً دون الآخر، وإن قولهم بأن حكم هذه الآية هو لبرهة من الزمن، هو قول مردود، فكلمات تتعلق بصفات الله تعالى، وتنتمي لعالم الأمر الذي هو فوق الزمان المكان، لا تحمل أحكاماً خاضعة لقوانين الزمان والمكان".

أقول: كلام الله الذي هو صفة من صفات الله عز وجل لا يخضع للزمان والمكان .. هذا صحيح، ولكن، فرق بين كلامه عز وجل الذي هو الآيات الجليلة، وبين الحكم الذي تحمله هذه الآيات.

والمهندس عدنان خلط بين الأمرين، فكلام الله في آية الوصية مثلاً أخبرنا عن حكم أمر به العباد لفترة من الزمن (على قول من قال إنها منسوخة)، هذا لا يعني أن الكلام الإلهي الذي حمل حكماً محدوداً بزمان أصبح مثله محدوداً.

ولتقريب هذا المعنى سأضرب أمثلة من آيات تخبرنا عن أحكام كان معمولاً بها لفترة محدودة من الزمن، مثلاً قوله تعالى: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ?لنَّفْسَ بِ?لنَّفْسِ وَ?لْعَيْنَ بِ?لْعَيْنِ وَ?لأَنْفَ بِ?لأَنْفِ وَ?لأُذُنَ بِ?لأُذُنِ وَ?لسِّنَّ بِ?لسِّنِّ وَ?لْجُرُوحَ قِصَاصٌ" [المائدة:45]، أخبرتنا هذه الآية أن التوراة كان فيها هذا الحكم، وهو لناس مخصوصين بفترة مخصوصة.

- قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى ?لْمَلإِ مِن بَنِي? إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى? إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ?بْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ?لْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ بِ?لظَّالِمِينَ " [البقرة:246]، حملت هذه الآية حكماً أمروا به، وفعلاً صدر منهم وانتهى، فهما حكم وفعل مقيدان بزمان وأشخاص ومكان، وكذلك جميع قصص السابقين.

- "ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ?لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" [البقرة:183]: الصيام كان حكماً للذين قبلنا، وقد مات الذين قبلنا، وانتهى الحكم الذي كان متعلقاً بهم.

- "إِنَّآ أَنزَلْنَا ?لتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ?لنَّبِيُّونَ " [المائدة:44]، حكم بها النبيون وانتهى حكمهم، فهو حكم مقيد بمدة.

والأمثلة على هذا كثيرة في القرآن الكريم.

هل هذا يعني أن آيات الله هي المقيدة؟! أم الأحكام والأخبار التي تخبرنا عنها؟ حَمْلُ الايات لهذه الأخبار لا يلزم منه أن تكون الآيات نفسها متصفة بما تتصف به الأخبار من محدودية، وخضوع لقوانين الزمان والمكان.

إذا ثبت بطلان هذه النظرية يبطل ما بُني عليها من نفي للنسخ بشكل كامل في القرآن.

ثم إن هناك شبه إجماع بين العلماء على وجود النسخ في القرآن بشكل عام، هل فات على عقولهم العملاقة هذه الحجة (النظرية) التي جاء بها المهندس عدنان، ليس هذا من باب الحجر على التفكير، ولكن يصعُب عليّ استيعاب أن مثل هذا ـ إن كان صواباً ـ يفوتهم، مع اقتناعي ببطلانه.

ثم ادّعى بأن الخطاب في قوله تعالى: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت .. " ليس للذي يحضره الموت ولكن لمن حوله ممن يسمعون الوصية.

ذهب إلى هذا حتى لا يُقال إن الوصية واجبة، وهذا خروج عن ظاهر الآية لأسباب واهية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير