ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيراً كاملاً تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال. فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها. ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته. ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك. فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه ولا في حسابه، وليست من شأنه. إنما هو قدر الله ومشيئته. وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته:
ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد، وشعر أنه أخذ نصيبه، وضمن جزاءه، بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد، فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعوا إلى التكالب والخصام على أعراض هذه الحياة. فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف. ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض، وثمرات هذا النشاط. فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته.
************************************************** *****
- أما ما جاء فيها من نقول في كتب التفسير:
-
- 2 - فقد قال الإمام القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن ":
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص. والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجنّ والإنس إلا ليوحدون. قال القشيريّ: والآية دخلها التخصيص على القطع؛ لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة، وقد قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ?لْجِنِّ وَ?لإِنْسِ}
[الأعراف: 179] ومن خُلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم؛ وهو كقوله تعالى:
{قَالَتِ ?لأَعْرَابُ آمَنَّا}
[الحجرات: 14] وإنما قال فريق منهم. ذكره الضحاك والكلبي والفرّاء والقتبي. وفي قراءة عبد الله: {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ مِنَ ?لْمُؤْمِنِينَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وقال عليّ رضي الله عنه: أي وما خلقت الجنّ والإنس إلا لآمرهم بالعبادة. و?عتمد الزجاج على هذا القول، {وَمَآ أُمِرُو?اْ إِلاَّ لِيَعْبُدُو?اْ إِلَـ?هاً وَاحِداً}
[التوبة: 31]. فإن قيل: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته؟ قيل: قد تذللوا لقضائه عليهم؛ لأن قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه، وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقيل: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً؛ رواه عليّ بن أبي طلحة عن ?بن عباس. فالكره ما يُرَى فيهم من أثر الصنعة. مجاهد: إلا ليعرفوني. الثعلبي: وهذا قول حسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده. ودليل هذا التأويل قوله تعالى:
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ?للَّهُ}
[الزخرف: 87]
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ?لْعَزِيزُ ?لْعَلِيمُ}
[الزخرف: 9] وما أشبه هذا من الآيات. وعن مجاهد أيضاً: إلا لآمرهم وأنهاهم. زيد بن أسلم: هو ما جُبِلوا عليه من الشّقوة والسعادة؛ فخلق السعداء من الجنّ والإنس للعبادة، وخلق الأشقياء منهم للمعصية. وعن الكلبي أيضاً: إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدّة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدّة والبلاء دون النعمة والرخاء؛ يدل عليه قوله تعالى:
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَ?لظُّلَلِ دَعَوُاْ ?للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدِّينَ}
[لقمان: 32] الآية. وقال عِكْرمة: إلا ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد. وقيل: المعنى إلا لأستعبدهم. والمعنى متقارب؛ تقول: عبد بيِّن العبودة والعبودية، وأصل العبودية الخضوع والذل. والتعبيد التذليل؛ يقال: طريق معبد. قال:
وظِيفاً وَظِيفاً فوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
والتعبيد الاستعباد وهو أن يتخذه عبداً. وكذلك الاعتباد. والعبادة: الطاعة، والتَّعبُّد التَّنسك. فمعنى «لِيَعْبُدُونِ» ليذِلّوا ويخضعوا ويعبدوا.
3 - و قال الإمام ابن جرير الطبرى في كتابه " جامع البيان في تفسير القرآن ":
¥