وقال ابن جرير الطبري أيضاً: (وقوله: "وأغطش ليلها" يقول تعالى ذكره: وأظلم ليل السماء، فأضاف الليل إلى السماء لأن الليلَ غروب الشمس، وغروبُها وطلوعها فيها، فأُضيف إليها لما كان فيها .. " ولهذا كانت إشارة ابن جرير- رحمه الله - هنا إشارة لطيفة ودقيقة عندما نبه على إضافة الليل إلى السماء ومن قبل ذلك غطش الليل فلما كان الليل هو المغطوش كانت السماء كذلك لأن الليل صفة لماهيتها ولأن الأصل في السماء الدنيا الظلمة لا الإنارة والسطوع كما هو معلوم.
وعند الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن "أغطش" أي: "جعله مظلما" (9). وعلى هذا لوكان الليل مظلما بذاته لما جعله الله مظلماً ولما احتاج إلى أن يغطشه سبحانه وتعالى. ومن ذلك نفهم أن الظلمة مجعولة ولها كم وهيئة ولكن عدم قدرتنا على رؤية هذه الظلمة على نحو متجسد واضح كرؤيتنا للأجسام الأخرى ناتج عن عدم قابلية هذه المادة لخاصية انعكاس الضوء ولو كانت قابلة لذلك لأنار الكون وشع كما ذكره غير واحد من علمائهم مثل أولبر وغيره وكما هو واضح بالدليل العقلي، حتى قال العالم دي دبليو سياما عن العلم الذي يدرس هذا المجال:"كان يسمى هذ العلم فلك العالم الخفي" (10) ولذلك لو شع الكون وأنار لما كان عندنا ليل نسكن فيه وننام. فكان من حكمة الله تعالى ان "أغطش" الليل أي جعله مظلماً بعد أن لم يكن مظلما. ومن هذا ندرك عظمة القسم في قوله تعالى:"فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون" حيث أن هذه المادة داخلة في مالا نبصره وهذه المادة تملأ قدراً عظيماً من مساحات الكون مما يجعل هذا القسم من أعظم القسم، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - Hawking, S. (1992) A Brief History of Time, Bantam press.
2- Penrose, R. (1999) The Emperor’s New Mind, Oxford University Press.
3- J. Einasto et al. (1990), Observational Evidence for Dark Matter, edited by Mark Srendnicki (1990), Particle Physics & Cosmology: Dark Matter, Current Physics Sources and Comments, Vol. 6, North-Holland-Amsterdam. Oxford. New York. Tokyo. p. 22
4- المصدر السابق
5 - D. W. Sciama (1993) Modern Cosmology and the Dark Matter Problem, Cambridge University Press, p. 1, 2,3,9.
6 - يونس: 27
7 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن (12/ 168 - 169).
8 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير (8/ 316) ط، دار طيبة / تحقيق سامي السلامة.
9 - الراغب الأصفهاني، معجم مفردات الفاظ القرآن.
10 - D. W. Sciama (1993) Modern Cosmology and the Dark Matter Problem, Cambridge University Press, p. 1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
أما بالنسبة لجوابك أخي ابن رشد، فلم تبين لي كيف أن اقتباسي لكلام ابن جرير كان ناقصاً، والله المستعان.
ولكن - للتوضيح أكثر - اعلم ان ابن جرير - رحمه الله - قال (( ... واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: {قطعا} فقرأته عامة قراء الأمصار: {قطعا} بفتح الطاء على معنى جمع قطعة , وعلى معنى أن تأويل ذلك: كأنما أغشيت وجه كل إنسان منهم قطعة من سواد الليل))، إلى أن قال - رحمه الله - ((والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة ذلك بفتح الطاء , لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها وشذوذ ما عداها)).
وهنا كما ترى، ردّ ابن جرير قراءة من قرأ بتسكين الطاء، وعليه، هذا رد منه للمعنى الزماني المجرد، ثم قرر- رحمه الله - تصويبه المعنى الحسي الملموس للظلمة بترجيحه للقراءة التي فيها فتح الطاء، وهو الأمر الذي أيدت به استنتاجي، والله الموفق.
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[21 Jan 2006, 03:26 ص]ـ
أخي الشهري: ما أبحث عنه هو مصدر هذه العبارة:
"ثم تعارف العلماء بعد ذلك على أن "الظلمة" الموجودة في الفضاء والمحيطة بالأرض ليست نتيجة للفراغ وفقاً للإعتقاد السائد ان الفراغ يورث الظلمة ... وإنما هي ناتجة عن نوع من التكدس والتجانس لمادة سوداء كونت هذه الظلمة التي نراها"
هي اولا الاساس الذي يقوم عليه مقالك و انت تستند عليها في تفسير ايات من كتاب الله
¥