تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" الاسراء 88

6 - 2 - الحوار في موضوع البعث والنشور:

موضوع البعث واحد من أهم القضايا التي اعترض عليها الكفار وكان وسيلة القرآن المثلى في الإقناع هي الحوار وإقامة البراهين.

قال تعالى:" وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون"يس78 إن في الآية إرشاد لكل من تلقى سؤالا عمن يحيي العظام وقد تحولت إلى رميم أن يجيب السائل بأن المحيي هو الذي أنشأها أول مرة، لما تقرر في العقول السليمة أن الإعادة أسهل من الإنشاء من عدم وذلك مثل قوله تعالى:"كما بدأنا أول خلق نعيده" الأنبياء 104 وهو نفس السؤال الذي يتكرر هنا في قوله تعالى:" أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم" ولا يكون الجواب إلا بنحو ما تدل عليه بقية الآية:" بلى وهو الخلاق العليم"

7 - الحوار مع أهل الكتاب

يشمل مصطلح أهل الكتاب اليهود والنصارى… ونظن أن مجرد هذا الاصطلاح يدل على معنى تواصلي عميق ينص على المشترك وهو تلقي الوحي مع ما يترتب على ذلك من العلم والابتعاد عن الغواية والهوى و ما في حكمه، ومثله مصطلح بني إسرائيل ففيه تذكير للمخاطبين بأنهم من سلالة نبي من الأنبياء مع كل ما يترتب على ذلك …

وموضوع أهل الكتاب في القرآن الكريم موضوع شاسع لا تزعم هذه الورقة أنها قادرة على استيعابه ولذلك سأكتفي بالموضوع الأساسي الذي هو الحوار لأقول بان القرآن الكريم قد حاور أهل الكتاب ودعا إلى محاورتهم وفق آداب خاصة:

فقال تعالى مرشدا إلى خصوصية أهل الكتاب:" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" العنكبوت 46، وقال تعالى:" قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"البقرة 136

إنه تأسيس لأرضية مشتركة، وبحث عن المشترك الذي يجعل إمكانية اللقاء المطلوبة واردة وممكنة ولعل أصرح آية في الدعوة إلى الانطلاق من موطن اللقاء قوله تعالى:" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" آل عمران 64

و الحوار مع أهل الكتاب في شقهم النصراني قد كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة خاصة حين لقي صلى الله عليه وسلم وفد نجران فكان هذا الموقف الصريح من عيسى عليه السلام قال تعالى:" إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين" آل عمران 61

وفي الآية تذكير بأن خلق عيسى له نظير:"إن مثل عيسى عند الله" أي في قدرة الله حيث خلقه من غير أب "كمثل آدم" حيث خلقه من غير أب ولا أم بل "خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" فالذي خلق آدم من غير أب, قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى, وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقاً من غير أب, فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى, ومعلوم بالإتفاق أن ذلك باطل, فدعواها في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً ... ولهذا قال تعالى: "الحق من ربك فلا تكن من الممترين" أي هذا هو القول الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه, وماذا بعد الحق إلا الضلال. ثم قال تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم, أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " أي نحضرهم في حال المباهلة "ثم نبتهل" أي نلتعن "فنجعل لعنة الله على الكاذبين" أي منا أو منكم.

وقصة وفد نجران مليئة بالدلالات والعبر، ولا يتسع المقام لتفصيلها.

8 - خلاصات مؤسسة لثقافة الحوار انطلاقا من القرآن من الكريم

في ختام هذا العرض أعود وأذكر بأهم الخلاصات التي يمكن الخروج والتي تؤسس لثقافة الحوار انطلاقا من القرآن الكريم.وتأتي أهمية هذه الخلاصات من كونها تتزامن مع حملة مسعورة تتهم الإسلام بكل عناصر الاقصاء و الرفض و الكراهية. إننا نعتبر أن مجرد إنزال كتاب سماوي ليكون معجزة هذا النبي أكبر دعوة للحوار ومقارعة الحجة بالحجة! ولقد لا حظنا كيف أن هذا الكتب نفسه موضوع للتداول ويقيم الحجة من ذاته انه من عند الله ليرد على كل الذين يريدون نفي هذه الصفة عنه ويدعو كل المكذبين إلى الاتيان بمثله بعشر سور! منه بسورة منه! وهاهي الأيام لا تزيد حقيقة القرآن إلا نصاعة تحقيقا لوعد الله:"سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" ويتزامن هذا الكلام مع تأسيس الهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالرباط والتي ستعقد مؤتمرها العلمي الأول بتاريخ….

ثم إن هذا الحوار لا يكتفي القرآن بدعوة المؤمنين به إليه بل يدعو كل الناس إلى ذلك

ثم إن هذا الحوار لا يعني التلفيق ولا يعني السفسطة …بل له آدابه وله شروطه وله أفقه وكل ذلك تحدث عنه القرآن الكريم بما حاولت الورقة تقريبه قدر الإمكان.

وأخيرا أقول إن كل حديث عن الحوار أو التواصل لا يمكن أن يكون مثمرا خارجيا إلا بقدر إثماره داخليا، و كل تقليل من دور الحوار الداخلي سينعكس سلبا على حوارنا الخارجي…

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير