ومثله في نفس الآية قوله تعالى: "قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون" معناه التبري منهم أي لستم منا ولا نحن منكم …كما قال تعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون"يونس 41 لكن انظر كيف نسب الجرم لنفسه والعمل لخصمه وهذا لا يكون إلا من الذي على يقين تام أنه ليس مجرما!!!
5 - 3 - تجاوز الأدلة المتشابهة اكتفاء بالقطعية:
وأبرز مثال يظهر في هذا المقام هو الحوار الذي جرى بين إبراهيم والنمرود، قال تعالى:" ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" البقرة 258 ففي هذا المشهد الحواري يتبين لنا كيف أن إبراهيم لم يقف عند قول النمرود أنا أحيي وأميت مع أنه لا يفعل ذلك حقيقة، بل انتقل بالحوار إلى حجة أقوى لن يستطيع معها المحاور مجاراتهولذلك قال تعالى عنه بعد إقامة الحجة عليه"فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين"
5 - 4 - عدم الانسياق إلى القضايا الهامشية:
وأبرز مثال وجدناه في هذا المقام هو الحوار الذي جرى بين فرعون وموسى عليه السلام، قال تعالى:" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى" طه 47 وما بعدها وواضح في هذه الآية أن موسى أدرك أن فرعون يريد بسؤاله:" قال فما بال القرون الأولى" صرفه عن الحديث عن الله، إلا أن جواب موسى كان عن الله وليس عن القرون الأولى:" قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى"
6 - القضايا المطروحة للحوار
يمكن القول في البداية بأن كل القضايا التي دعا إليها القرآن الكريم كان الحوار هو الوسيلة الأمثل في الإقناع بها وهكذا فإن قضايا الإيمان والتوحيد والبعث والنشور والنبوة والقرآن وغير ذلك … في كل ذلك كان الحوار هو الوسيلة.
6 - 1 - الحوار في موضوع القرآن:
سلك القرآن في إثبات أنه من عند الله طرقا متعددة أهمها:
• الطريقة الأولى الرد على شبهات المنكرين:
وتجلى ذلك في نفي وجود طرف بشري يعلم رسول الله كما زعم كفار قريش وقتها: قال تعالى:" ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" النحل 103
وتجلى أيضا في التذكير بما علم من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وانه لم يكن يقرأ ولا يكتب، قال تعالى:"وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون"العنكبوت 48
وتجلى ثالثا في التذكير بأن الأمر أساسه مشيئة الله، بدليل أنه لبثا عمرا طويلا لا يحدثهم بشيء مما ينكرونه عليه، قال تعالى:" قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون " يونس 16
وتجلى رابعا في التصريح بأن الافتراء أمر يلزم صاحبه ولا يتعداه قال تعالى:" أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون" هود 35
• الطريقة الثانية وهي التحدي والإعجاز:
والإعجاز باب واسع أفرده بالتأليف أكثر من واحد وحسبنا التذكير هنا ببعض الآيات ذات الصلة بالموضوع التي يتحدى فيها الله المكذبين بالقرآن بمستويات مختلفة ودرجات متفاوتة بين المطالبة بكل القرآن كما في قوله تعالى: أم يقولون تقوله بل لايؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" الطور 33، إلى المطالبة بعشر سور مثله كما في قوله تعالى:" أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" هود 13، إلى سورة مثله كما في قوله تعالى:" أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين"يونس38 ونحوه في سورة البقرة قال تعالى:" وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين"اليقرة 23، وفي موضوع الإعجاز حسم القرآن الأمر في قوله تعالى:" قال تعالى:" قل لئن
¥