تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أولاً: إمكان نسخ التلاوة عقلاً، وذلك من خلال التقسيم المنطقي للنسخ أولاً، إذ إن الكاتبين في هذا الموضوع من أصوليين وعلماء قرآن قد ذكروا هذا التقسيم على سبيل الافتراض أولاً لأن العقل والمنطق لا يرفضه، فالنسخ متعلق بالنص، والنص له جانبان حكم ورواية، فالنسخ قد يكون على أحدهما أو عليهما معاً، فقد يكون نسخ للحكم، أو نسخ للتلاوة، أو للحكم والتلاوة معاً، وقد ساق علماء الأصول والقرآن الأمثلة والأدلة على هذه الأقسام جميعاً، بتفاوت في الكثرة والقلة بالترتيب الموجود، فأكثر الأقسام عليه أدلة وأمثلة هو الأول، ويليه نسخ التلاوة فقد ذكر عليه العلماء عدد من الأدلة، ولم ينكره قديماً إلا قلة من الطوائف الأخرى، والأمثلة التي ذكروها من الكثرة بمكان بحيث يطمئن الإنسان إلى وقوع هذا النوع من النسخ، وليس من العقل والحكمة إنكار هذا والحكم على كل الأدلة التي استدل بها المثبتون بالإعدام ونفيها، لا سيما وقد قدمت في القسم الأول تواتر أحاديث نسخ التلاوة، ومن هنا تأتي فائدة التواتر لا لإثبات قرآنية هذه النصوص، بل لتدعيم حجة من يقول بهذا النوع من النسخ كما سأبين ذلك في القسم الثالث إن شاء الله تعالى.

وقبل أن أنهي كلامي المختصر على هذه الجزئية أسوق كلاماً لأحد العلماء الذين ارتضوا العقل منهجاً وأخذوا بأحكامه في إثبات حصول نسخ التلاوة عقلاً، ذلكم العلامة هو ابن عقيل الحنبلي، فابن عقيل وإن كان حنبلياً في الفروع إلا أنه كان معتزلياً في الأصول وفي كلامه واستدلاله ردٌ على بعض علماء طائفته الذين أنكروا نسخ التلاوة، وفي هذا الصدد يقول (الواضح في أصول الفقه: 1/ 245): والنسخ على ثلاثة أضرب: نسخ الحكم دون الرسم، ونسخ الرسم دون الحكم، ونسخ الرسم والحكم معاً.

فالأول: الوصية للوالدين والأقربين، والاعتداد والتربص بعد وفاة الزوج حولاً، وهما جميعاً يتليان في كتاب الله تعالى، فنُسخت الوصية بآية المواريث، ونُسخ الحول بالأربعة أشهر وعشراً.

والثاني: آية الرجم، منسوخة الرسم من كتاب الله تعالى،وهمَّ عمر بكتبها في حاشية المصحف، وخاف أن الناس َ أن ينسبوا إليه الزيادة في المصحف، وهي: (لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)، وهي ثابتة الحكم، وهذا تعليق للحكم على الغالب، وأن الشيخين يكونان محصنين، وليس بتعليق على حقيقة السن؛ لأن الشيخ والعجوز إذا لم يكونا تواطآ في نكاح صحيح جُلدا، لكن هذا مما ذُكر فيه السن إحالة على غالب الحال معهما.

وكذلك ذكر التتابع في كفارة اليمين في قراءة ابن مسعود: ((ثلاثة أيام متتابعات)) نُسخ الرسم، والحكم وهو التتابع باقٍ عندنا.

الثالث: مثل ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان فيما أنزل الله: عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس معدودات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يُقرأ من القرآن، فكانت العشر منسوخة الرسم إذ لم نقف لها على رسم، ومنسوخة الحكم إذ لم يبق بالعشر عبرة، ولا تعلق التحريم عليها.

ثم ذكر رحمه الله تعالى إنكار بعض الأصولين فقال: 1/ 249: وأنكر هذا قوم من الأصوليين، ولا وجه للإنكار إذا صحت الرواية بذلك؛ لأنَّه إن كان القول بالأصلح، فقد يكون الأصلح رفعها، كما كان في الوقت الذي تليت ونزلت الأصلح نزولها وتلاوتها، وإن كان القول بمطلق المشيئة، فيرفع الله ما يشاء كما ينزِّل وقد أعلم نبينا ليلة القدر، ثم أنساه ورفعها، يعني رفع علم النبي صلى الله عليه وسلم بها، بدليل أنه قال فاطلبوها، ولو كان الرفع لعينها لما أمر بطلبها، وكذلك رفع علمنا بالسورة والآية، لا أنَّه أعدما وأزال ذاتها، وما خلا إنزالها من فائدة وهي الإيمان بها حيث كانت متلوة، والتسليم لحكم الله حيث رُفعت، وفي رفعها بعد الإنزال نوع بلوى، قال الله سبخانه: (وإذا بدَّ لتا آيةً مكان آيةٍ والله أعلمُ بما يُنَزِّل قالوا إنَّما أنت مُفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون) فيكون رفع ما أنزله ونسخ ما أحكمه زيادة في إيمان المؤمن بتسليمه لله، وفتنة للذين في قلوبهم مرض.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير