تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونظير هذا ما ذكره الطوسي في العدة في الأصول: 2/ 36: فصل: في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه لأن التلاوة إذا كانت عبادة والحكم عبادة أخرى جاز وقوع النسخ في أحديهما مع بقاء الآخر كما يصح ذلك في كل عبادتين، وإذا ثبت ذلك جاز نسخ التلاوة دون الحكم والحكم دون التلاوة، فإن قيل: كيف يجوز نسخ الحكم مع بقاء التلاوة وهل ذلك إلا نقض لكون التلاوة دلالة على الحكم لأنها إذا كانت دلالة على الحكم فينبغي أن يكون دلالة ما دامت ثابتة والا كان نقضا على ما بيناه؟ قيل له: ليس ذلك نقضاً لكونها دلالة لأنها إنما تدل على الحكم ما دام الحكم مصلحة،وأما إذا تغير حال الحكم وخرج من كونه مصلحة إلى غيره لم يكن التلاوة دلالة عليه وليس لهم أن يقولوا لا فائدة في بقاء التلاوة إذا ارتفع الحكم، وذلك أنه لا يمتنع أن يتعلق المصلحة بنفس التلاوة وإن لم يقتض الحكم وإذا لم يمتنع ذلك جاز بقائها مع ارتفاع الحكم وليس لهم أن يقولوا إن هذا المذهب يؤدى إلى أنه يجوز أن يفعل جنس الكلام بمجرد المصلحة دون الإفادة وذلك مما تأبونه لأنا إنما نمنع في الموضع الذي أشاروا إليه إذا خلا الكلام من فائدة أصلاً وليس كبقاء التلاوة مع ارتفاع الكلام لأنها إفادة في الابتداء تعلق الحكم بها و قصد بها ذلك، وإنما تغيرت المصلحة في المستقبل في الحكم فنسخ وبقى التلاوة لما فيها من المصلحة وذلك يخالف ما سأل السائل عنه، وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فلا شبهة فيه، لما قلناه من جواز تعلق المصلحة بالحكم دون التلاوة، وليس لهم أن يقولوا إن الحكم قد ثبت بها فلا يجوز مع زوال التلاوة بقائه، وذلك أن التلاوة دلالة على الحكم فليس في عدم الدلالة عدم المدلول عليه.

وبهذا يتبين أن إمكانية نسخ التلاوة عقلاً واقعة فعلاً، والعقل لا يأباها، ولقد تعمدت النقل عن عالمين من علماء الطوائف التي تميل إلى الإنكار أكثر، وهم المعتزلة وورثتهم العقلانيون المحدثون، والرافضة، إذ استشهدت بنقل لابن عقيل، وآخر للطوسي، بل إن الطوسي يرى أن إثبات نسخ الحكم مع بقاء التلاوة أشد، وتوسع في إثبات إمكانية ذلك، وبناء على ذلك فنسخ التلاوة مع بقاء الحكم من باب تحصيل الحاصل كما تقدَّم عنه.

ثانياً: يمكن الاستئناس بمدى استشهاد العلماء بهذا النوع من النسخ وذكرهم له في مصنفاتهم، وقد كفاني الدكتور أحمد نوفل في بحثه (نسخ التلاوة بين النفي والإثبات) الذي الذي طبع في كتاب (دراسات إسلامية وعربية) ص 166 – 167، باستيعاب من ذكر هذا النوع، وذكر العلماء له هو ارتضاء له، وإلا فإن كل من نقل شيئاً من العلماء ولم يتبعه النقد فهو راضٍ عنه، وإن قال قائل:ما هذا إلا متابعة من اللاحق للسابق فنقول:إنا بهذا ننفي عن هؤلاء العلماء الذين نعيش على نتاجهم صفة العلمية والتفكير والنقد، وهذا ينزع الثقة من مؤلفاتهم وكتاباتهم، وهنا أسجل نقدي لقول د. أحمد نوفل قبل أن أسرد بعض المصنفات التي ساقها وهي قوله (ص165): ومما يساعد على رواج هذه الروايات وجعلها مقبولة ومسنودة أنَّ المفسرين أو جلهم لم يُفسروا الآية الكريمة (ما ننسخ من آية أو ننسسها) إلا بما يوافق هذه الروايات، فمعظمهم قائل إنَّ الإنساء أو النسيان إنما هو محو من الحافظة، ومسخها من القلوب ومن صفحات العقول، والنسخ نسخ حكم، أو نسخ تلاوة وحكم. فكأن كل ما ذهب إله هؤلاء العلماء الأفذاذ لم يرض فضيلة الدكتور، بل كأنه يراهم جميعاً مرددين لقول واحد كالببغاوات دون فقهٍ لما ينقلون، وهذا إجحاف كبير بحق هؤلاء العلماء إذ إن ذكر واحد منهم قولاً فإنه يتبناه بعد دراسة وتمحيص لهذا القول، وإن كان يعتقد خلافه فإنه يتعرض لهذا القول للنقض والنقد، وما من عالم من هؤلاء العلماء إلا مارس ما أقول ف كتابه الذي نقل منه الدكتور الفاضل، ولو أردت الاستدلال على ذلك لكثرت النقول وخرجت عن موضوع البحث.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير