1 ـ روى الطبري في تفسيره (ط: الحلبي 1: 65/ 2: 404) بسنده عن مجاهد قال: ((عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها)).
فلو لم يكن التفسير متميِّزًا، لما كان مثل هذا الموقف من مجاهد.
2 ـ وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى (7: 224) بسنده عن أبي الجوزاء، قال: ((جاورت بن عباس في داره اثنتي عشرة سنة ما في القرآن آية الا وقد سألته عنها)).
انظر كيف خصَّ مجاورته هذه للاستفادة من ابن عباس، وخصوصًا في التفسير.
وقد يقول قائل: لم ابن عباس؟
فالجواب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه له بعلم الكتاب، ومنه التفسير، قال ابن عباس: ((ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم علمه الكتاب)) رواه البخاري (رقم: 75، 143، 3546، 6842).
وشهرة ابن عباس في التفسير لا تحتاج إلى تدليل، لذا يمكن أن يقلب السؤال فيقال: هل كان علم الحديث علمًا قائمًا بذاته في هذه الفترة؟
المرحلة الثانية:للتفسير (التفسير في عهد التابعين).
مما ذكر من مميزات هذه المرحلة ما يأتي:
ظل التفسير محتفظًا بطابع التلقي والرواية، إلا إنه لم يكن تلقيًا ورواية بالمعنى الشامل، كما هو الشأن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل كان تلقيًّا ورواية يغلب عليهما طابع الاختصاص، فأهل كل مصر يُعنون بوجه خاص بالتلقي والرواية عن إمام مصرهم، فالمكيون عن ابن عباس، والمدنيون عن أبي، والعراقيون عن ابن مسعود، وهكذا. (1: 131 ـ 132).
وقد علق في الحاشية على قوله: (التلقي والرواية)، فقال: ((وما سبق من أن مجاهد بن جبر كتب التفسير كله عن ابن عباس، وما يأتي بعد من ان سعيد بن جبير كتب تفسير القرآن لا يخرج بالتفسير في هذه المرحلة عن طابع التلقي والرواية؛ لأن هذا عمل فردي لا يؤثر على الطابع العام)). (1: 131)
في هذا المقطع عدد من الأمور، لكن أكتفي بأمر واحد، وهو أن التحديد الزمني بطبقة التابعين لا يصلح في مناقشة التدوين في التفسير، والسبب أنَّ بعض أتباع التابعين كتب التفسير عن التابعين، والتابعون متوافرون، فهل ستُعدُّ كتابتهم في عهد التابعين، أو في عهد اتباع التابعين؟
وهذه القضية تجعل الباحث يتريث في تقسيم الفترة بين التابعين وأتباعهم، ولو دُمجت الفترتان لكان أولى، وهي تعطي تصورًا واضحًا لحجم الكتابة في التفسير، بل إنها كثيرة جدًّا.
وإذا اعتبرت التدوين في عهد التابعين ـ ولو كان الكاتب من أتباع التابعين ـ فإنه مما سيظهر لك من كتبهم ـ غير ما استدرك به الذهبي ـ ما يأتي:
1 ـ التفسير عن سعيد بن جبير (ت: 94) كتبه عنه عزرة بن عبد الرحمن، قال وقاء بن إياس: ((رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير، ومعه التفسير في كتاب، ومعه الدواء يغيِّر)) (المعرفة والتاريخ للفسوي 3: 212 ـ 213 / طبقات ابن سعد 6: 266).
وما دام يكتبه أمام سعيد بن جبير، فالكتابة في عهد التابعين.
2 ـ أملى مجاهد التفسير على القاسم بن أبي بزَّة. (المعرفة والتاريخ للفسوي 2: 154).
3 ـ أملى الحسن البصري التفسير على تلاميذه (جامع بيان العلم وفضله 1: 89).
4 ـ قال ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3: 319): ((حم بن نوح البلخي روى عن أبي معاذ خالد بن سليمان الحراني عن أبي مصلح عن الضحاك تفسير القرآن سورة سورة)).
وقال ماكولا في (الإكمال 6: 241 ـ 242): ((وحسين بن عقيل يروي عن الضحاك بن مزاحم كتاب التفسير)).
5 ـ قال ابن حجر في (العجاب في بيان الأسباب 1: 217): ((تفسير زيد بن أسلم من رواية ابنه عبد الرحمن عنه وهي نسخة كبيرة يرويها ابن وهب وغيره عن عبد الرحمن عن أبيه و عن غير أبيه وفيها أشياء كثيرة لا يسندها لأحد وعبد الرحمن من الضعفاء و أبوه من الثقات))، وهو من مرويات الثعلبي في مقدمة تفسيره.
وإذا أدخل جيل أتباع التابعين، فإنه سيظهر لك أكثر من ذلك، ومن الكتب التي تنسب إلى هذا الجيل:
¥