من هنا يمكن القول: إن الطريقة أو الأسلوب هو الوسيلة التي يتم بها إيصال المعلومات من المصنف إلى المتلقي سواء بالسماع أو القراءة. وهي تختلف عن المنهج؛ لأن المنهج هو الخطة العامة التي تقوم على المادة العلمية، والطريقة هي الأسلوب الذي ينقل به المؤلف ذلك المنهج.
وقد اتبع ابن الزبير أسلوبا علميا أكاديميا وطريقة واضحة سار عليها طيلة كتابه، ونبَّه القارئ إليها في مقدمته، وجدير بالذكر أن منهجية البحث في العصر الحديث تطلب من الباحث أن يقدم في مقدمة بحثه عرضا ملخصا للطريقة التي سيخوض بها غمار بحثه، وقد سبق الأولون إليها، ومنهم ابن الزبير.
وتتلخص هذه الطريقة فيما يلي:
استقرائه لمؤلفات السابقين في نفس الموضوع الذي يكتب فيه؛ ليكون على بينة من أمره فيما يقول، ولا يكرر ما سبق أن قيل، فيكون عمله جديدا فيما يقدمه، ليس تكرارا دون فائدة. وهذه قاعدة ثانية من قواعد البحث المعاصر.
استحسانه أحد مؤلفات السابقين، وتنبيهه إلى تقدمه وإمامته في هذا الفن، واقتدائه به؛ حيث يقول عن كتاب"درة التنزيل" للإسكافي: (إلى أن ورد علي كتاب لبعض المعتنين من جلة المشارقة، نفعه الله، سماه بكتاب"درة التنزيل وغرة التأويل"، قرع به مغلق هذا الباب، وأتى في هذا المقصد بصفو من التوجيهات لباب، وعرف أنه باب لم يوجف عنه أحد قبله بخيل ولا ركاب، ولا نطق ناطق قبل فيه بحرف مما فيه، وصدق ـ رحمه الله ـ وأحسن فيما سلك وسن، وحق لنا لإحسانه أن نقتدي ونستن.)
وهذا من أخلاق العلماء؛ حيث يرجعون الفضل إلى أهله، فيعترفون بفضل سابقيهم، ولا ينكرون عليهم تقدمهم وإمامتهم لهم في فن من الفنون.
استدراكه على الإسكافي كثيرا مما أغفله من متشابه القرآن اللفظي، وإشارته إليه بحرف "غ"، وتنبيهه القارئ إلى ذلك في المقدمة.
وبالنظر إلي جملة ما استدركه ابن الزبير على الإسكافي يوجد أنه أكثر من مائة آية، مضافا إلى ذلك عدد من الآيات في نطاق سرد الآيات المتشابهات. وهذا يدل على أنه كان أكثر استقراءً وتحريا في تتبعه لمتشابه القرآن اللفظي من الإسكافي، وإن كان الثاني له فضل السبق في التأليف.
وتجب الإشارة إلى أن ابن الزبير تجاوز عن مجموعة من السور تبلغ ثلاثا وثلاثين سورة لم يبن ما فيها من المتشابه، ولم يكن هذا تقصيرا أو إغفالا، وإنما لأنه عالج مثيل هذه المتشابهات في أماكن أخرى، فأغنى ذلك عن إعادتها تجنبا للتكرار، أو لأنه ليس فيها من المتشابه شئ.
وقد أخذ ابن الزبير على نفسه أول كتابه أن لا يقف على شئ مما قاله الخطيب الإسكافي في نفس الآية التي يوجهها إلا بعد أن يفرغ هو من توجيهها، معتمدا على إلهام الله تعالى له، وعلى ما أُوتيه من تبحر في علوم القرآن واللغة والبلاغة والتفسير والفقه والحديث وغيرها.
ولعل ذلك يرجع إلى خوفه من أن تحجب آراء الإسكافي اجتهاداته الشخصية، أو ركونه إليها واعتماده عليها فيفقد إبداعاته، وتسترخي طاقاته، اكتفاء بما قاله الإسكافي أو استنبطه، فيصير أسير آرائه واستنباطاته.
وهذه قاعدة أخرى من قواعد البحث المعاصر؛ التي تطلب من الباحث أن لا يكون أسير أفكار الآخرين، وأن يحرر فكره تماما قبل كتابة بحثه؛ ليخرج البحث من بنات أفكاره معبرا عن آرائه.
ولعل نفس السبب هو الذي دفع ابن الزبير إلى تنبيه القارئ أنه لن ينقل شيئا مما قاله أصحاب المعاني إلا في الشاذ النادر، وإذا نقل كلام أحد منهم أو من غيرهم نسبه إليه.
راعى ابن الزبير في تتبعه كل ما تكرر من آيات القرآن أو اشتبه ترتيب التلاوة المتفق عليها سورة سورة، وآية آية؛ فهو يورد ذكر السورة ثم يتناول ما فيها من آيات متشابهات؛ فمثلا يقول: سورة كذا ... الآية الأولى منها، ثم إذا انتقل إلى غيرها قال: "الآية الثانية منها"، وهكذا إلى آخر الآيات المتشابهات في السورة.
¥