فإذا انتقل إلى سورة أخرى ذكر اسمها، واتبع فيها نفس الطريقة، وإذا كانت السورة التي يتناولها لا تحتوي إلا على آية واحدة ذكر اسم السورة ثم قال: "قوله تعالى كذا"، وأحيانا يدمج السورتين معا إذا كانت الأولى لا تحتوي إلا على آية واحدة تتشابه مع الآية الأولى من التي تليها، وإذا خلت السورة من الآيات المتشابهات أغفل ذكرها؛ مثل السور الممتدة من أول سورة البروج حتى آخر سورة الفجر، ومن أول سورة الشمس حتى آخر سورة الضحى، ومن أول سورة القدر حتى آخر سورة القارعة، ومن أول سورة العصر حتى آخر سورة الكوثر، وبعض السور المتفرقات، كسورة التين، وسورة النصر، وسورة المسد.
ومما يُؤخذ على ابن الزبير أنه إذا تناول آية من سورة ما مع آية أخرى سبقتها اكتفى بالإشارة إلى أنها سبق تناول ما فيها من متشابه دون ذكر مكان تناولها، أو ذكر اسم الآية التي تشابهت معها.
بل نجده أحيانا ينص على اسم السورة مكتفيا بالإشارة إلى أنه سبق أن تناول ما فيها، دون تحديد أي آياتها وقع فيه المتشابه.
وبالنسبة لطريقته في توجيه الآيات فإنه يذكر الآية الأم في السورة التي هو بصددها، ثم يلحقها بما شابهها من الآيات من نفس السورة أو من غيرها.
وانتهج في توجيهاته نهج البسط والتوسع؛ فقد يستغرق الحديث عن الآية الواحدة عددا من الصفحات، كما فعل في الآيتين الحادية عشرة والثامنة والأربعين من سورة آل عمران؛ حيث ساق في كل واحدة أكثر من خمس صفحات، وفي مواضع أخرى كثيرة.
بل إنه قد يستغرق في بيان الكلمة الواحدة أو الحرف بضع صفحات؛ وعادة ما يبدأ في توجيه الآية بفرض بعض الأسئلة؛ لتنبيه القارئ، وبيان المواطن التي سيعالجها منها، ثم يشرع في الإجابة عنها واحدا تلو الآخر، وفي ثنايا الإجابة نفسها يفترض بعض المداخلات من القارئ، إما بالسؤال أو الاستفسار عن بعض ما يتعلق بجوابه، فيرد عليه آخذا القارئ من سؤال إلى سؤال، ومن جواب إلى آخر، حتى ينتهي به وقد بين له كل ما يتعلق بالآية التي يوجهها، كل ذلك دون أن يمل منه القارئ، ودون أن يخرج به من إجابة إلى أخرى وهو غير مقتنع بشيء مما قاله، فهو يقنعه بأدلته القاطعة، وأسلوبه الجميل، وآرائه القيِّمة.
وبهذه الطريقة تعمق ابن الزبير في توجيه المتشابه وتأويله، وسد الثغرات أمام الملحدين والمعطلين، وأحاط بجوانب موضوعه إحاطة كاملة.
كذلك دأب ابن الزبير أن يصدِّر إجاباته أو يختمها بإحالة العلم إلى الله تعالى قائلا: (والله أعلم)، أو: (والله أعلم بما أراد)، ولعله بذلك يتبرأ مما قد يقع فيه من خطأِ التأويل، واضعا نصب عينيه حديث رسول الله ? الذي يرويه الترمذي عن ابن عباس? عَنِ النَّبِيِّ ? قَال: (اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار)
وكثيرا ما يعرب ابن الزبير عن براعته في علم من العلوم أثناء توجيهه للمتشابه، فيعقد فصلا تكميليا، أو تمهيدا لجواب، أو إيضاحا لقضية تعرض لها.
فكلما وجد أن الأمر يحتاج إلى زيادة بيان وإيضاح، ثم رأى أنه يخرج عن موضوع الكتاب، عقد له فصلا خاصا صدَّره بقوله: فصل، أو: تمهيد.
وتجدر الإشارة إلى أن ابن الزبير أحيانا يعرض للسؤال الواحد جوابين.
ويُأْخَذ على ابن الزبير أنه قد يحيل القارئ إلى مكان لاحق في كتابه يقول إنه سيزيد الأمر فيه بيانا في نفس القضية التي يتحدث فيها، ثم يذهب القارئ إلى نفس الموضع الذي حدده فلا يجد أي ذكر لما قاله.
ويكتفي ابن الزبير بإحالة القارئ إلى كتب التفسير، أو كتب علم الكلام، أو غيرها إذا وجد أن الموضوع الذي يتحدث فيه يحتاج إلي زيادة شرح، أو بيان يخرج عن موضوعه، مستغنيا بذلك عن الإطالة، ومتحاشيا لكسر القاعدة التي بنى عليها كتابه.
وفي أحيان قليلة يشذ ابن الزبير عن هذه القاعدة، فيخرج عن الموضوع مستطردا في شرح كلمة، أو توضيح قضية، أو شرح دليل قرآني، أو شاهد شعري، ثم يرى أنه قد يطول به ويخرجه عن موضوعه، فيستدرك أمره، ويرجع إلى توجيه الآيات.
وكثيرا ما يحيل ابن الزبير القارئ إلى كتابه"البرهان في ترتيب سور القرآن"، مصرحا باسمه تارة، وأخرى بالإشارة إليه.
إلى جانب ذلك اعتنى ابن الزبير بمناقشة الآراء، والتعليق عليها، وشرح الأبيات الشعرية التي يستشهد بها، وبيان موقع الشاهد فيها.
هذا وبالله التوفيق،،،
د / ياسر عطية الصعيدي
أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية المشارك
كلية الاداب - جامعة المنيا - مصر
كلية التربية والآداب- جامعة الحدود الشمالية - السعودية