((ـ المرحلة الثانية: مرحلة التأصيل العلمي للإعجاز التأثيري:
سنقف في هذه المرحلة مع عدد من العلماء القدامى والمحدثين، ممن تحدثوا عن الإعجاز التأثيري: فمن العلماء القدامى: (الخطابي، والجرجاني، وابن القيم).
ومن العلماء المحدثين: (د. عبدالكريم الخطيب الإمام/ محمد الغزالي).
1 ـ الخطابي: (أبو سيلمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي ـ ت 388هـ).
يبدأ الخطابي رسالته (بيان إعجاز القرآن) بالاعتراف بتعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن، ومعرفة الأمر في الوقوف على كيفيته، ثم بدأ في ذكر وجوه الإعجاز فحددها. وفي نهاية رسالته عاد الخطابي إلى تأكيد رأيه في الإعجاز القرآني، وذلك باختياره الإعجاز التأثيري كأهم وجه من وجوه الإعجاز. فقال: (قلت: في إعجاز القرآن وجه آخر، ذهب عنه الناس، فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن ـ منظوماً ولا منثوراً ـ إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه، عادت إليه مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس ومضمراتها وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو للرسول (ص) من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله، فسمعوا آيات من القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عدواتهم موالاة، وكفرهم إيماناً.
خرج عمر بن الخطاب (رض) يريد رسول الله (ص) ويعمد إلى قتله، فسار إلى دار أخته وهي تقرأ (سورة طه)، فلما وقع في سمعه لم يلبث أن آمن.
وبعث الملأ من قريش عتبة بن ربيعة إلى رسول الله (ص) ليوقفوه على أمور أرسلوه بها، فقرأ عليه رسول الله (ص) آيات من (حم السجدة) فلما أقبل عتبة وأبصره الملأ من قريش قالوا: أقبل أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. ولما قرأ رسول الله (ص) القرآن في الموسم على النفر الذين حضروه من الأنصار آمنوا، وعادوا إلى المدينة فأظهروا الدين بها، فلم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه قرآن. وقد روي عن بعضهم أنه قال: فتحت الأمصار بالسيوف، وفتحت المدينة بالقرآن.
ولما سمعته الجن لم تتمالك أن قالت: (إنّا سمعنا قرآناً عجباً * يهدي إلى الرشد فآمنّا به)، ومصداق ما وصفناه في أمر القرآن في قوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)، وقوله تعالى: (الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)، وغير ذلك في آي ذوات عدد منه، وذلك لمن ألقى السمع وهو شهيد، وهو من عظيم آياته، ودلائل معجزاته.)) انتهى الاقتباس
- و المقالة منشورة في موقع " بلاغ ": الموسوعة الإسلامية
http://www.balagh.com/mosoa/ejaz/as0vo20e.htm
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[12 Feb 2006, 10:36 م]ـ
جزاكم الله خيرا، وكما ذكرتم الموضوع ليس له تعلق بالإعجاز كما هو معلوم، وإنما بالتأثير العضوي المترتب على التأثير النفسي، بعيداً عن الإعجاز وما شابهه. فالمقصود أن كون القرآن متشابه و مثاني على المعنى الذي قصدناه له ارتباط وثيق بتحفيز التفكير المنطقي الكامن في الفص الأيسر من الدماغ بشكل خاص، لما يترتب عليه من مقارنة الأضداد وكشف الفروقات اللطيفة بين الآيات المتشابهات. ولغة القرآن في هذا الجانب لا يدانيها شيء البتة، وهذه النتيجة لابد أن تحصل لأي شخص، فإذا حصلت وتجلت قامت الحجة على العبد، فإما أن يخضع للحق أو يعرض ويتولى فيطبع الله على قلبه.
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[12 Feb 2006, 11:02 م]ـ
أكرمكم الله، و وفقكم للصواب،
فقد أردت الاستيثاق من مدى ذهابكم إلى القول بذلك الوجه غير المسلَم من وجوه الإعجاز، لفقده العموم في ذلك التأثير النفسي على كل البشر.
و محاولة ربط المعارف الحديثة - المكتسبة - بالقرآن الكريم مسألة دقيقة و عميقة ينبغي الخوض فيها بحذر و روية، لكيلا نحمّل الآيات ما لا تحتمله إلا بتعسف و تكلف،
و لكي نصون القرآن عن تقلبات النظريات التي تتغير من آن لآن
¥