تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان لخاله الأثر الكبير في تصوفه، كما قال هو عن نفسه:" كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم بالليل، وكان يقول: يا سهل، اذهب ونم، فقد شغلت قلبي، وقال لي يوماً خالي: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي. فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قلها في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك، فوقع في قلبي حلاوة. فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لها حلاوة في سري. ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل، من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهده لا يعصيه، إياك والمعصية.

-ثانياً: خلوته وحفظه القرآن: ظهر ميله للخلوة في مرحلة جد مبكرة من عمره، يدل على ذلك موقفه من الذهاب إلى الكتاب للتعلم، فهو لم يوافق على ذهابه إلى الكتاب إلا بعد أن اشترط شروطاً على المعلم تتعلق بأن يتركه وشأنه بعد فترة من الوقت لحياة العزلة والتهجد والتأمل.

كما أنه حفظ القرآن في سن مبكرة وكان يصوم الدهر كما قال عن نفسه: "حفظت القرآن وأنا ابن ست أو سبع، وكنت أصوم الدهر، وقوتي خبز الشعير اثنتي عشرة سنة".

-ثالثاً: لقائه مع الزاهد العباداني: استمر سهل في حياته رتيبة: ذكر، وعبادة، وصوم إلى أن بلغ الثالثة عشرة من عمره. وفي هذا السن وقعت في ذهنه مسالة أذهلته، مسالة لم يدر لها تعليلاً، ولم يفهم لها تفسيراً، لقد حيرته فسأل أهله أن يبعثوه إلى البصرة عله يجد عند أحد من عارفيها تفسيراً لها، يقول سهل: "وقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فسألت أن يبعثوا بي إلى البصرة أسأل عنها، فجئت البصرة، وسألت علماؤها، فلم يشفني ما سمعت، فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العبادي، فسألته عنها فأجابني. وأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بأدبه. ثم رجعت إلى تستر ".

-رابعاً: عصره الذي عاش فيه:

لقد رأى التستري في حياته هزات سياسية واجتماعية عنيفة، هزات أطاحت بالكثير من المبادئ والقيم، واستحدثت مبادئ وقيماً أخرى. وهذه الهزات كانت نتيجة لتقلب الأحوال السياسية والاقتصادية في الدولة العباسية بعد تسلط الموالي من الفرس والترك على الحكم حتى كانوا في وقت من الأوقات هم الحكام الحقيقيون، والخليفة العباسي مجرد رمز للدولة. ولهذه الظروف انتشرت عدة تيارات فكرية وروحية كان للتصوف والزهد النصيب الأكبر منها، وكان هذا التيار رد فعل طبيعي لما اشتهر في البلاط العباسي من بذخ ومظاهر ترف ملأت حاضرة الخلافة آنذاك، وظهر عدد من الزهاد ينسبون لهذا العصر، واشتهرت مدن بأسرها، كعبادان بلجوء المتصوفة إليها.

و (خروجه من تستر إلى البصرة: لقد كانت هناك عوامل وأسباب كثيرة ذكرت حول خروج سهل رحمه الله من تستر، أو طرده، وقد يكون أحد هذه العوامل والأسباب صحيحاً، أو قد تكون تعاونت مع بعضها فأدت إلى هذه الحادثة المعروفة تاريخياً. ومن هذه العوامل والأسباب:

1) فرضية التوبة على كل إنسان: قال سهل: "ليس شيء في الدنيا من الحقوق أوجب على الخلق من التوبة، فهي واجبة في كل لمحة ولحظة، ولا عقوبة عليهم أشد من فقد علم التوبة، فقيل: ما التوبة؟ فقال: أن لا تنسى ذنبك".

قال الدكتور محمد كمال جعفر: إن القول بأن التوبة أمر لازم، وفرض ثابت، ليس قولاً فريداً أو غريباً أو مثار لكل هذه الضجة التي أحاطت بالتستري احتجاجاً ونفياً من البلاد فإن هذا القول في الحقيقة ليس إلا ترديداً لموقف صوفية كثيرون.

2) اتهامه بالإلحاد:

ذكر فريد الدين العطار في كتابه "تذكرة الأولياء" أن سبب خروجه من تستر هو اتهامه بالإلحاد من أحد علماء أهل بلدته.

3) كرامات سهل، وخوارق أفعاله: قصة وجوده بمكة بعد وجوده بتستر بيوم واحد، مما أثار حفيظة رجال الدين في موطنه، وجعل الناس يتجمعون عليه يسألونه عن صحة ذلك. فلم ينف ولم يثبت واضطر إلى الهروب إلى جزيرة بين عبادان وتستر، بحيث لا يمكن الاتصال به إلا بواسطة قارب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير