4) بيت السباع، واتصال سهل بالجن: ذاع خبر منزل سهل بأنه بيت السباع، وذلك أن أهالي تستر أجمعوا على أن كثيراً من الحيوانات المفترسة اعتادت أن تأتي إلى سهل ليطعمها، ثم تنصرف بعد أن تكون قد سدت جوعها. وقد شاع أيضاَ اتصال سهل بالجن، وقد يثبت ذلك ما قاله ابن الجوزي: " حكى رجل عن سهل أنه يقول: "أن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه، وإنه يتكلم إليهم، فأنكر ذلك عليه العوام، حتى نسبوه إلى القبائح، فخرج إلى البصرة، فمات بها".
5) عباراته الصوفية ذات المدلالوت المعقدة: كقوله: "مولاي لا ينام، وأنا لا أنام". وقوله: "أنا حجة الله عليكم خاصة وعلى الناس عامة".
ومما قد يدفع ما يُفهم منه التسوية بين الخالق والمخلوق في عبارة سهل الأولى، هو ما قاله سهل نفسه: "بأن عيون الأنبياء تنام ولكن قلوبهم تظل يقظة"، وقد ذكر أيضاً في موضع آخر: "أن عيون الأنبياء تنام ولا ينام موضع الوحي فيهم وعيون الأولياء تنام ولا ينام موضع حالهم". وفهم العبارة بهذه الطريقة فيه تزكية سهل لنفسه وأنه من أولياء الله. وكون العبارة تفهم بأنه من أولياء الله خير من أن تفهم بأنه مساوي لخالقه.
أما عبارة سهل الثانية فقد أثارت العلماء أيما إثارة مما حدا ببعضهم إلى اقتحام دار التستري صائحاً في وجهه هل أنت نبي أم ولي؟! وقد أجاب التستري: بأنه لم يقصد إلى شيء من ذلك، ولكنه أراد أن يبين أنه قد صحح قوانين تناول الحلال ونفذها بكل دقة، متحرجاً من أدنى شبهات، محترساً من أخفى أنواع الزلل حتى في المباح.
6) حملته على القراء والفقهاء: يسهب سهل في نقده لطائفة خاصة من طوائف العلماء، وقد سمى أهلها بعلماء السوء، الذين لا يهتمون إلا بالمشاكل والشبهات والجدليات ويجدون لذة عظيمة في تصنيف الأقوال، ويصفهم التستري بالإهمال في الواجب وعدم الحرص في الحق، وهم في نظره يستغلون الخلافات، غافلين تماماً عن الروح الأصيلة للدين نفسه. ويحكي التستري عن الواحد من هؤلاء بأنه "لو يُعطى جميع الدنيا لأخذها في هلاك دينه ولا يبالي". أما القراء فمعظمهم في نظر التستري يحاكون المغنين في ترديد الأنغام والألحان، مما يصرف عن الهدف وهو الاتعاظ وتطهير السلوك.
والواقع أن التستري يرسم صورة سوداء لمعاصريه من العلماء، ويصفهم بأنهم مجرد نقلة وحفظة لعلم لا يعرفون قيمته، وكانت نظرته للمستقبل أكثر سواداً حيث أنه يتوقع شيوع الفساد، وقد ذكر أن هناك أمارات إذا ظهرت في مجتمع فليكف الفرد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليقتصر على إصلاح نفسه ومن هو أقرب إليه.
أما هذه الأمارات فهي ظلم الحاكم، وقبوله الرشوة، واتباع العلماء له، وعدم مراجعتهم إياه معتزين بجاهه وقوته.
وقد يكون الدافع لحملة سهل على العلماء: هو رؤيته لصور من علماء السوء الذين وصفهم في كلامه السابق، ولا يمنع أن يكون هناك علماء أجلاء هم محل تقدير وتبجيل من سهل. ومن ذلك موقفه مع الإمام أبي داود السجستاني، حينما أتاه فقال له: "أخرج لي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله"، فأخرج له لسانه فقبله.
وفاته: كانت وفاته رحمه الله سنة ثلاث وثمانين ومائتين في المحرم، وقيل سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وقيل إحدى ومائتين بتستر. وقد رجح الدكتور محمد جعفر، أن وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائتين للهجرة.
وقد ذكر القشيري في رسالته: "أنه لما مات سهل بن عبد الله انكب الناس على جنازته، وكان في البلد يهودي نيف على السبعين فسمع الضجة فخرج لينظر ما كان، فلما نظر إلى الجنازة صاح وقال: "أترون ما أرى؟ " فقالوا: لا، ماذا ترى؟ فقال: "أرى أقواماً ينزلون من السماء يتمسحون بالجنازة". ثم إنه تشهد وأسلم، وحسن إسلامه.
ثانياً: أصدقاء سهل وتلاميذه:
1) ذو النون المصري: صوفي من مصر، يسجل المؤرخين لقاءهما بمكة أثناء الحج. ويُذكر أن هناك علاقة وثيقة بين سهل وذي النون، لدرجة تنبئ عن تلاقي روحي تام، والقصة المأثورة عن بدء تصدر سهل للحديث في مسائل التصوف تشير في نهايتها إلى إحساس سهل بوفاة ذي النون قبل أن يذاع الخبر في البصرة وبغداد.
2) أبو عبد الله، محمد بن أحمد سالم البصري: ظل في خدمة سهل وصحبته ما يقرب من ستين سنة، وخدمه في جميع شئونه الخاصة والعامة.
¥