ثم الكتاب الذي جعله المؤلف مدخلاً لعلم التفسير جاءت نسخته في أكثر من مائة وعشرين ورقة، فهل يكون تفسيره في ثلاث عشرة ورقة فحسب؟
وقد زعم الأخ المحقق أنه كتاب مختصر في غريب القرآن، وهيهات أن يكون كذلك، فهل يعقل أن يقدم عالم من العلماء على تصنيف كتاب مختصر في غريب القرآن – مهما بالغ في اختصاره المخل – فيقتصر في سورة الواقعة مثلاً على تفسير ?فسلام لك? فيقول:
(أي سلامة. والسلام والسلامة واحد. قال الشاعر:
نحيي بالسلامة أم بكر* وهل لك بعد رهطك من سلام).
ثم يغفل تفسير الألفاظ الآتية من السورة نفسها:
رجت الأرض - بست الجبال - هباء منبثاً - المشأمة – ثلة – موضونة – سدر مخضود – طلح منضود – عرباً – يحموم – شرب الهيم – تفكهون – تورون – المقوين – مدهنون – تجعلون رزقكم أنكم تكذبون – روح وريحان.
ألم تكن هذه الألفاظ كلها أولى بالتفسير من لفظة ?سلام?؟
وهكذا أيرى المؤلف قراء كتابه بحاجة إلى شرح كلمة (عَجَل) في قوله تعالى في سورة الأنبياء 37 ?خلق الإنسان من عجل? ويعتقد أنهم في غنى عن شرح ?أضغاث أحلام? و ?قصمنا? و ?كانتا رتقاً ففتقناهما? و ?نفشت? و ?ينسلون? و ?حصب جهنم?و ?حسيس? وغيرها من مفردات السورة؟
أفقراء كتاب الحدادي في القرن الرابع كانوا أعلم من قراء كتب أبي عبيدة واليزيدي وابن قتيبة الذين تجشموا تفسير الألفاظ المذكورة، في القرنين الثاني والثالث؟
ثم هناك سور كثيرة لم يفسر شيء من مفرداتها في هذه الرسالة. نحو الفاتحة، والمؤمنون، والنمل، ولقمان، والأحزاب، وفاطر، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، والقتال، والفتح، والحجرات، والذاريات، والطور وغيرها. فهل وجدهنَّ المؤلفُ خلواً من الغريب (حسب اصطلاح القوم)؟
وأخيراً نرى الحدادي يحيل في كتابه (المدخل) على كتاب الموضح الذي صنفه من قبل، فقال في باب (ما جاء عن أهل التفسير ولا يوجد له أصل عند النحويين ولا في اللغة):
(في قوله تعالى: ?عيناً تسمى سلسبيلا? .. عن علي بن أبي طالب في معناها: سل إلى ربك سبيلاً. فأول ما قرع سمعي هذه المقالة كنت أبدي عجباً، وقلت: ليس هذا من قيل علي رضي الله عنه مع فصاحته وفضله. وأين خبر (تسمى)؟ وذكرت في كتابي الموضح هذا القول، وقلت: ليس هذا من علي رضي الله عنه، حتى وجدته في بعض كتب المتقدمين أن هذا من قيل علي رضي الله عنه، فسلمت، وعددته من جملة ما ورد عن أهل التفسير مما لا أصل له في اللغة). [المدخل 107].
وهذا الموضع الوحيد الذي أحال فيه الحدادي على كتاب الموضح، وكان على الأخ المحقق أن يرجع إلى الرسالة التي زعمها نسخةً من كتاب الموضح، وهي عنده، ثم يشير في الحاشية إلى الموضع الذي ورد فيه هذا النص، ولكنه لم يفعل. ولو رجع إلى تلك الرسالة لم يجد فيها النص المذكور، ولخالجه شك فيما زعم، ولكنه مضى كمضي القائل:
فَمَضيتُ، ثُمَّتَ قُلتُ: لا يَعنيني!
وخلو الرسالة من النص المشار إليه يؤيد ما سبق من أنها ليست بكتاب (الموضح في علم القرآن) للحدادي، وإنما هي تجريد للشواهد الشعرية الواردة فيه، قام به عالم مجهول، وقد صرح بذلك في خاتمة الرسالة كما سبق، والله أعلم بالصواب).
انتهى ما كتبه الدكتور محمد أجمل الإصلاحي وفقه الله في مقالته الماتعة. وقد انتفعت بها أولاً في تصحيح ما ذكرته في بحثي عن هذا الكتاب، وأحببت تعميم الفائدة للجميع بنشر هذه المقالة مرة أخرى على صفحات الملتقى، مع وضع الصور الموضحة. وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[16 Feb 2006, 11:43 م]ـ
جزاك الله خيراً أبا عبد الله,
وحسبنا الله ونعم الوكيل, ورحم الله الحدادي, وعَوَّضه فيما كتب خيراً.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[17 Feb 2006, 10:04 م]ـ
شكر الله لك أبا عبد الله هذه الفائدة، ولعلك تتعهد الملتقى ببحوث الشيخ محمد أجمل الإصلاحي إن كان عنده بحوث في التفسير وعلوم القرآن.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[19 Feb 2006, 11:43 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
هذه رسالة ماتعة جدا وفيها من القضايا التي تحوج الى توجيه سؤال للدكتور الداوودي لعله يتحف السادة القراء بما عنده لاسيما وهذه الرسالة اعتراض على عمله فهل من يوصل هذه الرسالة اليه؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[19 Feb 2006, 03:01 م]ـ
هذه المقالة قد نشرت قبل خمسة عشر عاماً في جريدة المدينة، والشيخ صفوان داوودي قد قرأها في ذلك الوقت، وعرف الصواب، ولكن الكتاب قد نشر، ولعله في طبعة قادمة يصوب ذلك إن شاء الله. هذا ما حدثني به الدكتور محمد أجمل الإصلاحي بنفسه، وقد قابله وناقشه حينها في الأمر. وذكر لي بأن المحقق الأستاذ صفوان داوودي طالب علم جيد، وله عناية بالتتلمذ على أيدي العلماء الشناقطة في المدينة المنورة، وتأثره ظاهر بهم في حواشي تحقيقه لكتاب المفردات للراغب الأصفهاني، فكثيراً ما ينقل ضوابط علمية في أبيات مفردة لبعض الشناقطة. ولكن قراءة المخطوطات، وفن إخراجها ليس من الأمور التي اشتغل بها ومهر، ولذلك وقع فيما وقع فيه جزاه الله خيراً.
¥