أما الأمر الذي قصدت إليه بهذه الكلمة فهو التنبيه على أن الرسالة التي نشرها الشيخ الداودي باسم (الموضح في التفسير) ليست بكتاب الموضح، وقد غُمَّ عليه أمرها، مع أن خاتمتها تكشف عن حقيقتها.
وبيان ذلك أن الأوراق (229 - 244) من المجموع المذكور تتضمن رسالتين لمؤلف مجهول، وكلتاهما خالية، مثل معظم كتب المجموع، من ورقة العنوان، ولكنهما تامتان، وآخرهما يدل على محتواهما. فورد في آخر الرسالة الثانية، وهي في ثلاث ورقات (242/أ-244/ب): (تمت الأشعار الشواهد من الطريقة الرضوية).
http://www.tafsir.net/images/radaweeh.jpg
والعبارة واضحة، فهي تفيد أن صاحب الرسالة جمع فيها الشواهد الشعرية التي وردت في كتاب (الطريقة الرضوية)، وهو كتاب معروف، في الخلاف، من تأليف الإمام رضي الدين أبي الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي النيسابوري الحنفي (524 - 617هـ) وهو في ثلاث مجلدات، كما قال صاحب كشف الظنون (1113).
وهكذا جاء في آخر الرسالة الأولى: (تمت الأشعار الشواهد في التفسير الموضح الحدادي (كذا)).
http://www.tafsir.net/images/makhtoot.jpg
وهذه الخاتمة – كما ترى – مثل خاتمة الرسالة السابقة، فكما جرد المؤلف في تلك شواهد الطريقة الرضوية ذات المجلدات الثلاث في ثلاث ورقات، جرد في هذه شواهد كتاب الموضح في ثلاث عشرة ورقة.
وجرى المؤلف في الرسالتين على سنن واحد:
فهما خاليتان من المقدمة، ولا يشير المؤلف إلى أبواب الطريقة الرضوية أو فصولها ومباحثها في الرسالة الثانية، ولا إلى السور والآيات في الرسالة الأولى، وإنما يلتقط المسألة النحوية أو التفسير اللغوي الذي استشهد عليه المؤلف، ثم يسوق الشاهد.
وإليكم بداية الرسالة الثانية:
(التقديم والتأخير جائز في كلام العرب. قال الشاعر:
إِنِّي إذا ما كَلْبُ قومٍ فَغَرا * أَلقمتُ فاه فا تَّقاني الحَجَرا
أي: ألقمت فاه حجراً.
أراد بالكسب المكسوب، قال الشاعر:
إذا كانت الأموالُ اكتسابَ مَعشر* فمالي من كسبٍ سوى المجدِ والفخرِ).
[كذا في المخطوط، ولعل الصواب في صدر البيت: كسب معاشرٍ]
فلا يعرف من هذا السياق المبحث الذي أورد فيه مؤلف الطريقة الشاهدين.
أما الرسالة الأولى فبدايتها هكذا:
(ذلك بمعنى هذا، قال القائل:
أقول له والرمح يأطر متنه* تأمل خفافاً إنني أنا ذلكا
أي: هذا.
- الواحد يذكر، ويراد به الجماعة، قال تعالى: ?والملك على أرجائها? أي الملائكة. قال الشاعر:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم* فقد برئت من الإحن الصدور
ولم يقل: إخوانكم.
الغشاوة وهي الغطاء، قال الشاعر:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة *فلما انجلت قطعت نفسي أذيمها).
ولما كانت هذه الرسالة تتعلق بكتاب في تفسير القرآن، كان سهلاً على القارئ معرفة الآيات والسور التي وردت في تفسيرها هذه الشواهد.
فظاهرٌ من العبارة التي نقلناها أن أول شاهد من الشعر ورد في كتاب الموضح للحدادي هو في تفسير الآية الثانية من سورة البقرة ?ذلك الكتاب لا ريب فيه?. والشاهدان الثاني والثالث في تفسير قوله تعالى: ?ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة? فالسمع واحد أريد به الجمع عند المؤلف.
وهذه الرسالة هي التي وقعت في يد الشيخ داوودي، فزاد فيها من عنده أسماء السور، وزاد الآيات، من غير أن ينبه على ما فعل، ثم سماها (الموضح في التفسير) ونسبها إلى الحدادي!
ومما يلاحظ أن المحقق لما أخبرنا في مقدمة كتاب (المدخل) بأنه يملك نسخة من الموضح قال (ص26): (هو عندي مخطوط في 32 ورقة) بينما هو في 13 ورقة فقط! فهل كان يعني عدد أوراق نسخته التي نسخها هو من الأصل؟
إنني أعتقد أن كتاب (الموضح لعلم القرآن) كان كتاباً كبيراً في التفسير، واستظهرت ذلك من كلام المؤلف في مقدمة (المدخل). وهو قوله: (إني لما فرغت من تصنيف كتاب الموضح لعلم القرآن صنفت كتابي هذا ... وجعلته مدخلاً لعلم تفسير كتاب الله تعالى ومعانيه، وتنبيهاً على ما غمض من طرقه ومبانيه، ورداً على الملحدين الطاعنين في كتاب الله، لقصور علمهم عن افتنان لطائف لغة العرب وفصاحتها ومذاهبها ... ).
أما هذا التعليق الذي توهمه الناشر كتاب الموضح فلا يصدق عليه لفظ التصنيف بأي وجه من الوجوه.
¥