تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

نزلت سورة الأنفال عقب أول غزوة وأعظم غزوة شهدتها الجماعة المسلمة التي كانت في طور النشوء والتكوين، فتضمنت السورة عرضاً لأحداث المعركة، وبينت قواعد وأصولاً تمثل في مجموعها قانون النصر الذي اقتضى نصر المسلمين على المشركين دون وجود تكافؤ بينهما، والموضوعات الأخرى التي اشتملت عليها السورة الكريمة مردّها إلى هذا الموضوع المحوري، بل هي مرتبطة به بشكل واضح، وتدور في فلكه، وليس هذا مكان الحديث عنها.

وقانون النصر المستخلَص من السورة مبني على توجيهات، إنْ التزمها المؤمنون ينالون النصر الذي وُعدوا به، من هذه التوجيهات ما جاء بجمل فعلية، وهناك أيضاً جمل إسمية، يمكن استخراج قواعد النصر منها، وبناء على هذا يمكن القول إن دلالة الجمل الاسمية في سورة الأنفال هو (السننية) ـ إنْ صح التعبير ـ، والثبات والحتمية، من خلال ربطها بالموضوع المحوري.

**********

أما عوامل النصر وأصوله المُصاغة بجمل اسمية والتي تؤدي إلى النصر، فأذكر منها:

* الثقة: من عوامل النصر في المعركة الثقة: ثقة القائد بالله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم أعظم قائد تظهر فيه هذه الصفة، فهو واثق بربه أنه ناصره، متيقن أنه مجيب الدعاء، فاجتهد في ذلك معلماً جندَه ـ والمسلمين من بعد ـ أن الله لا يخيب دعاء المخلصين، ولا يخلف وعده: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)، فالثقة نتجت من استمرار إمداد الله تعالى ما دام المسلمون على هذه الحالة من الاستغاثة والدعاء.

وتظهر أهمية هذه الصفة في القيادة حين نعلم أن الجنود يتأثرون بمعنويات القائد: "فالنواحي المعنوية والنفسية تسري إلى النفوس كما يسري الماء من المكان العالي إلى ما دونه، فيتقدم الجند طائعين واثقين مطمئنين؛ لأن وجدانهم يتبع وجدانه، فهم خاضعون لنفسه ونزوعه إلى الخير والفضيلة الإنسانية قبل أن يخضعوا لما يأمر وينهى". [بين العقيدة والقيادة، محمود شيت خطاب، ص12].

ويمكن استخراج عامل آخر من هذه الآية الكريمة، وهو:

* القوة المعنوية: وهذه من أهم العوامل الحاسمة في إحراز النصر، لأنها تؤثر بشكل مباشر على أداء المقاتل، وقد كان عون الله المستمر للمسلمين ـ على تنوع أشكاله ـ عاملاً أساسياً في رفع معنوياتهم، فقد استجاب الله لدعاء المسلمين واستغاثتهم، وأمدهم بالملائكة: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)، وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)، وهذا غرس للطمأنينة في قلوبهم، إذ إن المعلوم أن عدة المسلمين كانت ثلث عدة الكافرين، ولذلك فإن النظرة المادية إلى هذا تجعل الكفة راجحة لصالح الكفار، وهذا قد يجعل اليأس يتسلل إلى قلوبهم، فيفقدون حماسهم للقتال، فكان الإمداد بالملائكة لتثبيت القلوب، ورفع الروح المعنوية.

قال الشيخ محمد رشيد رضا: "بيّن الله تعالى أن هذا الإمداد أمر روحاني يؤثر في القلوب، فيزيد قوتها المعنوية، فقال: (وما جعله الله إلا بشرى)، أي: وما جعل عز شأنه هذا الإمداد إلا بشرى لكم بأنه ينصركم كما وعدكم، (ولتطمئن به قلوبكم)، أي تسكن بعد ذلك الزلزال والخوف الذي عرض لكم في جملته، فكان من مجادلتكم للرسول صلى الله عليه وسلم في أمر القتال ما كان". [المنار: (613:9)].

* الصبر (أو إثبات معية الله للصابرين): (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46): "إن الله مع الصابرين بالمعونة والتأييد، وربط الجأش والتثبيت، ومن كان الله معه، فلا يغلبه شيء، فالله غالب على أمره، وهو القوي العزيز الذي لا يغالب". [المنار:25:10].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير