تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نَعَمْ أَمَرَهُ عُثْمَان بِالتَّنَحِّي عَنْ الْمَدِينَة لِدَفْعِ الْمَفْسَدَة الَّتِي خَافَهَا عَلَى غَيْره مِنْ مَذْهَبه الْمَذْكُور فَاخْتَارَ الرَّبَذَة، وَقَدْ كَانَ يَغْدُو إِلَيْهَا فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَاب السُّنَن مِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ، وَفِيهِ قِصَّة لَهُ فِي التَّيَمُّم.

وَفِي " طَبَقَات اِبْن سَعْد " مِنْ وَجْه آخَر " أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل الْكُوفَة قَالُوا لِأَبِي ذَرّ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ: إِنَّ هَذَا الرَّجُل فَعَلَ بِك وَفَعَلَ، هَلْ أَنْتَ نَاصِب لَنَا رَايَة - يَعْنِي فَنُقَاتِلهُ - فَقَالَ: لا، لَوْ أَنَّ عُثْمَان سَيَّرَنِي مِنْ الْمَشْرِق إِلَى الْمَغْرِب لَسَمِعْت وَأَطَعْت ".

قَوْله: (كُنْت بِالشَّامِ) يَعْنِي بِدِمَشْق، وَمُعَاوِيَة إِذْ ذَاكَ عَامِل عُثْمَان عَلَيْهَا. وَقَدْ بَيَّنَ السَّبَب فِي سُكْنَاهُ الشَّام مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ زَيْد بْن وَهْب " حَدَّثَنِي أَبُو ذَرّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَلَغَ الْبِنَاء - أَيْ بِالْمَدِينَةِ سَلْعًا تَرْتَحِل إِلَى الشَّام. فَلَمَّا بَلَغَ الْبِنَاء سَلْعًا قَدِمْت الشَّام فَسَكَنْت بِهَا " فَذَكَرَ الْحَدِيث نَحْوه.

وَعِنْده أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْف عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " اِسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرّ عَلَى عُثْمَان فَقَالَ. إِنَّهُ يُؤْذِينَا، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ عُثْمَان: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُم أَنَّك خَيْر مِنْ أَبِي بَكْر وَعُمَر؟ قَالَ. لا، وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبكُمْ مِنِّي مَنْ بَقِيَ عَلَى الْعَهْد الَّذِي عَاهَدْته عَلَيْهِ، وَأَنَا بَاقٍ عَلَى عَهْده ".

قَالَ فَأَمَرَ أَنْ يَلْحَق بِالشَّامِ. وَكَانَ يُحَدِّثهُمْ وَيَقُول: لَا يَبِيتَن عِنْد أَحَدكُمْ دِينَار وَلَا دِرْهَم إِلا مَا يُنْفِقهُ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ يَعُدّهُ لِغَرِيمٍ.

فَكَتَبَ مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان: إِنْ كَانَ لَك بِالشَّامِ حَاجَة فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرّ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَان أَنْ اِقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.

قَوْله: (فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي) فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ. أَنَّهُمْ كَثُرُوا عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ سَبَب خُرُوجه مِنْ الشَّام، قَالَ فَخَشِيَ عُثْمَان عَلَى أَهْل الْمَدِينَة مَا خَشِيَهُ مُعَاوِيَة عَلَى أَهْل الشَّام.

قَوْله: (إِنْ شِئْت تَنَحَّيْت)

وَعِنْد أَحْمَد أَيْضًا مِنْ طَرِيق شَهْر بْن حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد عَنْ أَبِي ذَرّ نَحْوه، وَالصَّحِيح أَنَّ إِنْكَار أَبِي ذَرّ كَانَ عَلَى السَّلَاطِين الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْمَال لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يُنْفِقُونَهُ فِي وَجْهه. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِالْإِبْطَالِ. لِأَنَّ السَّلَاطِين حِينَئِذٍ كَانُوا مِثْل أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخُونُوا. قُلْت. لِقَوْلِهِ مَحْمَل. وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَد حِينَئِذٍ مَنْ يَفْعَلهُ).

قال الشوكاني: (قوله: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} قيل: هم المتقدّم ذكرهم من الأحبار والرهبان، وإنهم كانوا يصنعون هذا الصنع. وقيل: هم من يفعل ذلك من المسلمين، والأولى حمل الآية على عموم اللفظ، فهو أوسع من ذلك).

وقال الشنقيطي: (قوله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} الآية. أظهر الأقوال وأقربها للصواب في معنى {يَكْنِزُونَ} في هذه الآية الكريمة، أن المراد بكنزهم الذهب والفضة وعدم إنفاقهم لها في سبيل الله، أنهم لا يؤدون زكاتهما).

قال ابن حجر في (فتح الباري): (قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش. فهو كنز يذم فاعله. وأن آية الوعيد نزلت في ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير