وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم، وحملوا الوعيد على مانع الزكاة، إلى أن قال: فكان ذلك واجباً في أول الأمر، ثم نسخ، ثم ذكر عن شداد بن أوس أنه قال: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه ثم يرخص فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع الرخصة، ويتعلق بالأمر الأول. اهـ).
وقال الطاهر بن عاشور بعد أن بين معنى الكَنْز وأقوال المفسرين فيه: (وشذَّ أبو ذرٍّ فحمل الآيةَ على عموم الكانزين في جميع أحوال الكنز، وعلى عموم الإنفاق، وحَمَل سبيل الله على وجوه البرّ، فقال بتحريم كَنز المال، وكأنّه تأول {ولا ينفقونها} على معنى ما يسمّى عطف التفسير، أي على معنى العطف لمجرّد القرن بين اللفظين، فكان أبو ذرّ بالشام ينهى الناس عن الكنز ويقول: بشّر الكانزين بِمكاوٍ من نار تكْوَى بها جباههم وجُنوبهم وظهورهم، فقال له معاوية: وهو أمير الشام، في خلافة عثمان: إنّما نزلت الآية في أهل الكتاب، فقال أبو ذرّ: نزلت فيهم وفينا، واشتدّ قول أبي ذرّ على الناس ورأوه قولاً لم يقله أحد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فشكاه معاويةُ إلى عثمان، فاستجلبه من الشام وخشي أبو ذَر الفتنةَ في المدينة فاعتزلها وسكن الربذة وثبت على رأيه وقوله).
قال ابن حجر في (فتح الباري):وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ:
1 - أَنَّ الْكُفَّار مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَة لِاتِّفَاقِ أَبِي ذَرّ وَمُعَاوِيَة عَلَى أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب.
2 - وَفِيهِ مُلَاطَفَة الْأَئِمَّة لِلْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مُعَاوِيَة لَمْ يَجْسُر عَلَى الْإِنْكَار عَلَيْهِ حَتَّى كَاتَبَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فِي أَمْره، وَعُثْمَان لَمْ يَحْنَق عَلَى أَبِي ذَرّ مَعَ كَوْنه كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي تَأْوِيله.
3 - وَفِيهِ التَّحْذِير مِنْ الشِّقَاق وَالْخُرُوج عَلَى الْأَئِمَّة، وَالتَّرْغِيب فِي الطَّاعَة لِأُولِي الْأَمْر وَأَمْر الْأَفْضَل بِطَاعَةِ الْمَفْضُول خَشْيَة الْمَفْسَدَة.
4 - وَجَوَاز الِاخْتِلَاف فِي الِاجْتِهَاد.
5 - وَالْأَخْذ بِالشِّدَّةِ فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فِرَاق الْوَطَن.
6 - وَتَقْدِيم دَفْع الْمَفْسَدَة عَلَى جَلْب الْمَصْلَحَة لِأَنَّ فِي بَقَاء أَبِي ذَرّ بِالْمَدِينَةِ مَصْلَحَة كَبِيرَة مِنْ بَثّ عِلْمه فِي طَالِب الْعِلْم، وَمَعَ ذَلِكَ فَرَجَحَ عِنْد عُثْمَان دَفْع مَا يُتَوَقَّع مِنْ الْمَفْسَدَة مِنْ الْأَخْذ بِمَذْهَبِهِ الشَّدِيد فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَلَمْ يَأْمُرهُ بَعْد ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ مُجْتَهِدًا.
ـ[الكشاف]ــــــــ[04 Mar 2006, 03:49 م]ـ
سؤال: ذَكر الله جل جلاله في سورة التوبة صفات للمنافقين كالبخل والتثاقل عن الطاعات وغيرها, فهل من كانت فيه من هذه الصفات كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها, أم هذا خاص بالصفات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه، وتكون أشدها؟
جواب: قسم العلماء النفاق إلى قسمين:
1 - اعتقادي. وهو إبطان الكفر، وإظهار الإسلام. وهذا مخرج من الملة. وإذا ثبت على صاحبه وأظهره، واستتيب فلم يتب حكم بردته. ولا أظن هذا يخفى على السائلة.
2 - عملي. وشعبه كثيرة جداً، منها ما ذكره الله في سورة التوبة وسورة المنافقين وغيرهما، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه. ويكون أشد المنافقين أكثرهم اتصافاً بها، ويزيد النفاق وينقص بحسب الاتصاف بهذه الصفات، وبحسب درجة هذا الاتصاف أيضاً، فالذي يكذب فيه صفة من صفات النفاق، ولكن ليس الكذابون سواء في الكذب وهكذا بقية الصفات. فيكون الجواب إن شاء الله ما جاء في خاتمة السؤال من أن من كان فيه خصلة من هذه الخصال كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها كما جاء في الحديث. والله أعلم.
وأما معرفة المنافقين فمن صفاتهم التي أطلعنا الله عليها، وهي كثيرة. قال الله تعالى: (ولتعرفنَّهمْ في لحنِ القولِ). والذين يدعون صباح مساء إلى مخالفة شرائع الدين الثابتة، والتخلي عن العقائد الصحيحة، مسايرة للكافرين، وتقرباً إلى أعداء المسلمين، فهل يخفى على المسلم إن هذه الصفة من صفات المنافقين؟ ويقاس على ذلك بقية الصفات التي وصف الله بها أهل النفاق والعياذ بالله. ولا شك أن الاقتصار على بيان صفات المنافقين، أدل عليهم من بيان أعيانهم. والله أعلم.
وهذا موضوع طويل، يسمح ببيان أشفى، دعاني إليه الرغبة في المشاركة والاستفادة من التعقيب والتصحيح.
ـ[لطيفة بنت محمد]ــــــــ[11 Mar 2006, 07:03 م]ـ
جزاكما الله خيرا ..
وبارك في علمكما .. آمين