والأول هو المعبر عنه بـ (الأنا)، وهو المراد بقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (المائدة/45). وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) (الأنعام/151).
والثاني هو المراد بقوله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (يوسف/53).
وقد يطلق لفظ النفس، ويراد به تارة: العقل باعتبار تعلقه بالبدن. وقد يراد به تارة أخرى: الدم. يقال: سالت نفسه. أي: سال دمه. قال إبراهيم النخعي:” ما ليس له نفس سائلة، فإنه لا ينجس الماء، إذا مات فيه “.
والنفَس بفتح الفاء: هو الريح الداخل، والخارج في البدن من الفم والمِنخَر، وهو كالغذاء للنفْس، وبانقطاع النفَس يكون بطلانها. والنفْس هي التي تموت. قال تعالى:? كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ? (عمران:185). والموت نقيض الحياة، وكلاهما مخلوق لله تعالى. قال سبحانه:? الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ? (الملك:2).
أما لفظ الروح فهو اسم للنفَس- بفتح الفاء- وقد ورد في القرآن على عدة أوجه:.
أحدها: الوحي؛ كقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا) (الشورى/52)، وقوله تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) (النحل/2).
والثاني: القوة والثبات والنصرة، التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين؛ كما قال: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) (المجادلة/22).
والثالث: جبريل عليه السلام؛ كقوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:193 - 194).
والرابع: الروح التي سأل عنها اليهود، فأجيبوا بأنها من أمر الله (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (الإسراء/85)، وهو ملك عظيم. وقد قيل: إنه الروح المذكور في قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً) (النبأ/38).
والخامس: المسيح بن مريم عليه السلام. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) (النساء/171).
وأما أرواح بني آدم فلم تقع في القرآن إلا بلفظ النفْس؛ كما في قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (الفجر/27). وقوله تعالى: (أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ) (الأنعام/93). وقد وقعت في السنة بلفظ النفس، والروح.
ومن الأدلة على أن المراد بالنفس: الروح قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ? (الزمر:42). المراد: الله يتوفى الأرواح، في قول جماعة من أهل التأويل.
وهذا واضح في قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن شهاب:” أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك “، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث زيد بن أسلم:” إن الله قبض أرواحنا. ولو شاء، لردها إلينا “.
وقال بعض المفسرين في تفسير الآية السابقة:” إن التوفي مستعمل في الأول حقيقة، وفي الثاني مجازًا. والتي تتوفى عند الموت هي نفس الحياة، التي إذا زالت، زالت معها النفس. والتي تتوفى عند النوم هي النفس، التي بها العقل، والتمييز، وهي التي تفارق النائم فلا يعقل. والفرق بين قبض النوم، وقبض الموت: أن قبض النوم يضاد اليقظة، وقبض الموت يضاد الحياة “ (اللغات).
والله تعالى أعلم.
ـ[محمد حامد سليم]ــــــــ[12 Mar 2006, 03:26 م]ـ
بارك الله فيك أخي لؤى الطيبي
بارك الله فيك أخي مرهف
بارك الله فيك أخي عبد القادر يثرب
عذرا للتأخير في الرد لعطل النت
وسأقرأ كل كلمة مما تفضلتم به لأن الرد لا يمكن أن يكون إلا بعد فحص كل كلمة لكي أستطيع أن أخرج بمفهوم كامل عما تفضلتم به في ردودكم التي أسعدتني
شاكرا لكم جميعا
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Mar 2006, 02:31 م]ـ
القول بأن دلالة لفظة الروح أعم من دلالة لفظة النفس صحيح.
وما نقله الأستاذ عبدالقادر من القول: (وأما أرواح بني آدم فلم تقع في القرآن إلا بلفظ النفْس؛ كما في قوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (الفجر/27). وقوله تعالى: (أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ) (الأنعام/93). وقد وقعت في السنة بلفظ النفس، والروح). فهذا قول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح (370). وقد ذكر ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء 85].
وما ذكره من اتفاق السلف على أن المقصود بالروح في هذه الآية ليست أرواح بني آدم، بل المراد بذلك الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه أنه يقوم مع الملائكة يوم القيامة وهو ملك عظيم. أنظر: الروح لابن القيم 363.
وقد نقل عن مفسري السلف غير ما ذكر ابن القيم اتفاقهم عليه رحمه الله، فقد نقل عن ابن عباس وقتادة غير ذلك. بل إن الشوكاني نقل عن أكثر المفسرين القول بأن المراد بالروح في هذه الآية: الروح التي يحيا بها البدن، وقدمه على سائر الأقوال.
ولعل أخي الكريم أبا مجاهد العبيدي يشير إلى دراسته لهذا الاختيار عند ابن القيم رحمه الله إن كان قد تعرض له.
وهناك كتاب قيم تناول معاني الروح في القرآن الكريم للدكتور عبدالعزيز بن علي الحربي الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى. سماه: (معاني الروح في القرآن الكريم) وقد نشرته مكتبة ودار ابن حزم للنشر والتوزيع، ويقع في 70 صفحة من القطع الصغير.
¥