تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(14) بيان (العلاقة الدلالية) بين الألفاظ والتراكيب في السياقات التعبيرية المختلفة، وفي السياق الواحد، من نواح متعددة، مثل (الإبهام) و (البيان) في سياقين مختلفين ومتباعدين، كقوله تعالى في [سورة النبأ: 12]: ? (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا?، وقوله في سورة [الْمُلْك: 3] ? الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا?. فأبهم في النص الأول بقوله: (سَبْعًا شِدَادًا)، ثم بيّن في النص الثاني ماهية السبع الشِّداد هذه، بأنها (سبْع سموات).

ومن هذا النوع المتعلق بالعلاقات الدلالية بين الألفاظ، علاقة (الإبهام)، ثم (البيان القائم على التفصيل) في سياق واحد متصل، كقوله تعالى في صفة فريق من المؤمنين: ? ... إنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ. كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ? [الذاريات: 16 - 19]؛ إذ أبهم التعبير الكريم عملهم الصالح أوّلاً، مكتفيًا بوصفهم بأنهم كانوا محسنين في دنياهم قبل أن يقفوا بين يدي الله تعالى للحساب، ثم فصَّل في السياق بعده مباشرة، ماهية هذا الإحسان بثلاث صفات هي أنهم أوّلاً: كانوا يسهرون أكثر الليل في الصلاة، وذكر الله، وتلاوة القرآن. وثانيًا: أنهم كانوا في أوقات السَّحَر، أي قبيل الفجر، يستغفرون الله تعالى. وثالثًا: أنهم يجعلون جزءًا من أموالهم للفقراء والمساكين، بحسب ما تمليه شريعة ربّ العالمين.

ومن هذا النوع المتعلق بالعلاقات الدلالية بين الألفاظ والتراكيب في السياقات، عطف العامّ على الخاصّ، كعطف (كُلّ الثمرات) على ما تقدّمه، وهو ? الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ ? [النحل: 11].

(15) مراعاة الجانب النفسي في الخطاب القرآني، كالترقيق في مخاطبة لقمان لابنه وهو ينصحه بقوله: (يَبُنَيَّ) التي تُشعر بالحنان البالغ، وروح التحبُّب، التي أنبأ عنها هذا التصغير للفظة (ابن)، توخِّيًا للتأثير في هذا المتلقِّي الحبيب. وكذلك (يَأَبَتِ) في خطاب إبراهيم لأبيه، وهو يدعوه إلى التوحيد ونبذ الشِّرْك، وقول هارون لأخيه موسى ? حين عبد بنو إسرائيل العِجْل في غياب موسى: (يَبْنَؤُمَّ) دفعًا لغضبه عليه، ولم يقل له: (يا ابن أبي) أو (يا ابن والدي) مثلاً؛ وذلك لما في ذِكْر الأمّ هنا من أثر في نفس المتلقِّي، وهو موسى، منبعث من رِقّتها وحنانها على أولادها بكثرة. وهذا ونظائره من رائع ما عبّر به القرآن، مراعيًا الجانب النفسي فيه.

(16) ملاحظة النسق التعبيري في القرآن، ومحاولة فهمه وتحليله، كتقديم لفظ على آخر، كتقديم اليمين على الشمال في قوله ?: ? وَأَصْحَبُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَبُ الْيَمِينِ ?، ثم قوله بعد آيات ?وَأَصْحَبُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَبُ الشِّمَالِ?؟ [الواقعة: 27، 41]؛ إذ (أصحاب اليمين) هم أهل الجنّة والنّعيم، في حين أنّ (أصحاب الشِّمال) هم أهل النّار والجحيم. وقد سمّى التعبير القرآني الفريق الأوّل: (أَصْحَبُ الميْمَنَةِ)، وسمّى الفريق الثاني: (أَصْحَبُ المشْئَمَةِ). وهذا مبنيّ على التفاؤل والتشاؤم في عادات العرب؛ إذ كانوا يتفاءلون باليمين، ويتشاءمون بالشمال. وبقي هذا في العُرْف الاجتماعي الذي تجلّى كذلك في التعبير القرآني، سائدًا في حياة المسلمين. فكانوا يتيامنون في كل عمل، كالأكل باليمين، وتناول الشيء وغير ذلك. وقد أكد ذلك الحديث الشريف، إذ كان ? يحثّ على التيامن، كالأكل باليمين، والتختُّم باليمين، والصبّ عند الاغتسال باليمين (6).

(17) بين الفنّ التعبيري بظاهرة (التشخيص الفني) " Personification" التي تضفي على الشيء المتحدَّث عنه (صفة الإنسانية)، وهي البشرية، كتشخيص عدد من عناصر الطبيعة (7) (الصامتة)، مثل الشمس والقمر والكواكب، في رؤيا نبيّ الله يوسف ?؛ إذ رآها في منامه ساجدة له [يوسف: 4]. ومنه تشخيص الطبيعة (الحية)، كتشخيص النملة في خطابها للنمل الذي معها، بقوله تعالى: ?قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَكِنَكُمْ? [النمل: 18] فقالت بصيغة جمع العقلاء (ادخلوا)، ولم تقل في هذا الخطاب التشخيصي ما لا يدلّ على ذلك. وقد نبّه على هذه الظاهرة عدد من كبار قدماء اللغويين، كأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت215هـ)، في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير