تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كتابه "مجاز القرآن" (8)، ونبّه عليه كذلك عبد القاهر الجرجاني (9) (ت 474هـ) واصفًا إياه بأنه "ضرب من المجاز كثير في القرآن". ونبّه عليه بعدهما جار الله الزمخشري (10) (ت 537هـ)، مجلّيًا ظاهرة التشخيص في آية السجود بقوله: " ... فلِمَ أُجرِيَتْ مجرى العقلاء في (رَأَيْتُهُمْ لِي سَجِدِينَ)؟ وأجاب عن ذلك بقوله: "لَمّا وصفوه بما هو خاصّ بالعقلاء وهو السجود، أجرى عليه حُكمَهُ، كأنها عاقلة". ثم وصف الزمخشري هذا اللون من التعبير بأنه "كثير شائع" في كلام العرب.

(18) بيان الفنّ التعبيري بظاهرة (التجسيم الفنّي)، سواء أكان تجسيمًا للحسِّيات -أي ما يدرك بإحدى الحواسّ- كالليل والنهار والصبح، أم كان تجسيمًا للمعنويات، عقلية كانت كالحق والباطل، أم نفسية، كالرُّعْب والخوف. فمن الأول قوله ?:? يُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجَ النَّهَارَ فِي الَّيْلِ? [فاطر: 13]، أي: يُدخل أحدَهما في الآخر، فيكون بهذا وذاك نهارًا تارة وليلاً تارة أخرى. وهذا ضرب مما نسمِّيه (تجسيم الزمان)، وقد أشرفنا قبل سنوات على رسالة ماجستير فيه.

ومن الثاني وهو المتعلق بتجسيم المعنوي، قوله تعالى: ? بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ? [الأنبياء: 18]، فجعل الحق -وهو معنويّ- جسمًا ثقيلاً مقذوفًا على الباطل، الذي صوّره التعبير القرآني كأنه جسم أيضًا. وهذا من رائع تصوير القرآن في تجسيم المعنويات.

(19) العناية (بالتحليل الصوتي) للتعبير القرآني المراد دراسته وتحليله، سواء تعلّق بالصوت المفرد (الفُونيم) Phoneme، كالباء، والميم، والنون، والهاء، أم تعلّق بـ (المقطع) المؤلَّف من صوتين أو ثلاثة، وسواء تعلّق بالصوت المفرد، أم بالمركّب، أم بالتعبير، مع ربط الصور الصوتية بالمعاني المختلفة في التعابير القرآنية، مع ضرورة التنبيه على ظاهرة الاستبدال الصوتي بين الوحدات الصوتية الصغيرة، وهي (الفونيمات)، وأثر ذلك في تحقيق الفروق الدلالية بين كثير من الألفاظ القرآنية المتقاربة الأصوات، ما بين سياق وآخر، كما في: هَزَّ وأَزَّ، وكتَمَ وكَظَمَ، وغَشَّى وغَطَّى.

(20) العناية (بالقراءات القرآنية) التي قُرِئ بها النص الكريم، سواء أكانت مشهورة، قرأ بها السبعة أو العشرة، أم غير مشهورة، وهي التي قرأ بها غيرهم، مع كشف أوجهها اللغوية والنحوية والصرفية والبلاغية، وذلك لتعلّق معنى النص بها، واختلاف بين قراءة وأخرى، أو لكشفها لظواهر اللغة المختلفة، كالهمز في (كُفُؤًا) وتسهيله في (كُفُوًا)، وكالإطباق الصوتي في صاد لفظة (الصِّراط)، وعدمه في سين (السِّراط)، وكالمدّ في (مَالِكِ) والقَصْر في (مَلِكِ)، إذ معنى (مَلِكِ) أبلغ من معنى (مَالِك)، من حيث إنّ كلَّ مَلِكٍ مالِكٌ، وليس كلُّ مالِكٍ مَلِكًا.

(21) العناية بعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع؛ إذ يتعلّق بالعلم الأول، وهو (علم المعاني) ظواهر تعبيرية كثيرة، كالتقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والإيجاز بنوعيه: إيجاز لحذف وإيجاز لقِصَر، فمن الأول حذف المبتدأ من الجملة الاسمية، كما في قوله ?:?كِتَبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُه ? [هود:1]، ومن الثاني قوله تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَوةٌ يَأُولِي الأَلْبَابِ ? [البقرة: 179].

ومن (علم البيان) ما يتعلّق بالحقيقة والمجاز. فمن المجاز: التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز المرسل، وما إليها. وتنبغي العناية بفنّ (الالتفات) كذلك، إذ هو فنّ رفيع في تعبير القرآن، وثيق الارتباط بالمعنى، وذلك بالانتقال من ضمير إلى آخر في السياق، كانتقاله من الغَيبة إلى الخطاب في قوله تعالى: ?مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ? [آل عمران: 179]، فالتفت بقوله (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الغَيبة في الحديث عن المؤمنين إلى الخطاب.

ومن موضوعات (علم البديع)، الطِباق، والجِناس، والتَّوْرِية، والتقابل، وما إليها. فهذه كلها ينبغي على المحلل للنص القرآنيّ أن يعطيَها حقَّها من الدرس والفهم والتحليل والتعليل، لمعرفة معاني القرآن المجيد معرفة شاملة وافية، لا تقف عند جوانب دون أخرى، وإنما تتناول الجواب كلها (11).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير