الثاني: أن يقال: الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته أفضل بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدرًا.
الثالث: أن يقال: سورة خير من سورة أوآية خير من آية بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل ويتأدى منه بتلاوتها عبادة كقراءة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله ويتأدى بتلاوتها عبادة الله لما فيها من ذكره سبحانه وتعالى بالصفات العلي على سبيل لاعتقاد لها وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر وبركته.
فأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم وإنما يقع بها علم.
ثم لوقيل في الجملة إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها والثواب بحسب قراءته لا بقراءتها أوأنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث وتلك الكتب لم تكن حجة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء بل كانت دعوتهم والحجج غيرها وكان ذلك أيضًا نظير ما مضى.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة لأن الله جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا كما يقال ا يومًا أفضل من يوم وشهرًا أفضل من شهر بمعنى العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره والذنب فيه أعظم من غيره وكما يقال ا الحرم أفضل من الحل لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيرها أه كلام الحليمي.
وقال ابن التين في حديث البخاري لأعلمنك سورة هي اعظم السور معناه أن ثوابها أعظم من غيرها.
وقال غيره: غنما كانت أعظم السور لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن ولذلك سميت أم القرآن.
وقال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ثم أودع علوم القرآن الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة.
أخرجه البيهقي وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على اله تعالى بما هوأهله وعلى التعبد والنهي وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخلوعن أحد هذه الأمور.
وقال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة: الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القضاء والقدر لله تعالى. فقوله {الحمد لله رب العالمين} يدل على الإلهيات وقوله {مالك يوم الدين} يدل على المعاد وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} يدل على نفي الخبر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره وقوله {إهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله وعلى النبوات.
فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة وهذه السورة مشتملة عليها سميت أم القرآن.
وقال البيضاوي: هي مستملة على الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء.
وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين.
أحدها: علم الأصول ومعاقدة الله تعالى وصفاته وإليها الإشارة بقوله {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ومعرفة النبوة وهي المراد بقوله {أنعمت عليهم} ومعرفة المعاد وهوالمومى إليه بقوله {مالك يوم الدين}.
وثانيها: علم الفروع وأسه العبادات وهوالمراد بقوله {إياك نعبد}. وثالثها: علم يحصل به الكمال وهوعلم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقه والاستقامة فيها وإليه الإشارة بقوله {وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}.
ورابعها: علم القصص والإخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية السعداء منهم والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وهوالمراد بقوله {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقال الغزالي: مقاصد القرآن ستة: ثلاثة مهمة وثلاثة متمة.
¥