ويمكن فهم حادثتي الاسراء والمعراج بمجملها بربطها بالوضع النفسي للرسول عليه افضل الصلاة و السلام في تلك الفترة: لقد قدم للرسول دعماً معنوياً ونفسياً هائلاً عبر اسرائه ومعراجه، ثم انه عاد بالصلاة – واحدة من اهم اركان الدين الاسلامي ..
رغم ذلك – فأن الوضع الداخلي في مكة قد ازداد سوءاً: فسخرية مشركي مكة و سخريتهم منه عليه افضل الصلاة والسلام – زاد اضعافاً بعد الاسراء والمعراج. بل ان بعض المسلمين انفسهم قد افتتنوا بعد الاسراء والمعراج كما تروي بعض الروايات.
كانت مكة قد صمت اذنيها عن سماع دعوة محمد عليه الصلاة و السلام. بل منعت وروجت عند بقية القبائل ان لا تسمعه. وبعد عشر سنوات من الدعوة كانت لاتزال عند موقفها المتعنت الغبي، بعد عشر سنوات: كان الاذى والسخرية والاضطهاد – والظلمة.
في تلك الفترة بالذات المحملة بأقصى التحديات، تنزل هود واخواتها اللواتي شيبنه عليه افضل الصلاة والسلام.
وكان وقتها – قد بلغ الخمسين – او تجاوزها بقليل.
* * *
تبدء سورة يونس بداية هادئة، مثل اغلب السور المكية.
(ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع الا من بعد اذنه .. ) يونس 31
وتبدء اللهجة بالتصاعد التدريجي وهي تمتد بعرض واستعراض الجدال مع الملأ القريشي: (ولكل امة رسول فاذا جاء رسوله قضى بينهم بالقسط وهم لايظلمون. ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين. قل: لااملك لنفسي ضرأ ولا نفعاً الا ماشاء الله لكل امة اجل اذا جاء اجلها فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) 47 - 48 - 49 يونس
ثم تمر – مروراً سريعاً، او يبدو، على الاقل، كذلك، (واغرقنا الذين كذبوا بأياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) يونس 73 - بخصوص قوم نوح ثم ومرة اخرى الغرق بخصوص قوم فرعون (فاتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بني اسرائيل …) بعد فوات الاوان!،يونس 90
ثم: (ولو شاء ربك لامن من في الارض، كلهم جميعاً، أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99، والحوار الالهي هنا يواجهه هو بالذات، محمد عليه الصلاة و السلام، الذي كان يواجه السخرية والاضطهاد التي واجهت الانبياء قبله، مثلاً نوح، ومثلاً موسى، كل مامر بهم يمر به الان، يعانيه، يقاسي منه، وحسب الامر الذي يدبره الله، فانهم سيلاقون ذات المصير الذي لاقاه، قبلهم، القوم المكذبون قوم نوح وقوم فرعون .. وكان هذا ما لايريده محمد: نبي الرحمة – الرسول الذي هاجسه الدعوة – كان يريد لهم الايمان – والصلاح – والتغيير، لا الدمار بسيل يقضي عليهم او بالزلزال او الصاعقة.
فجاء الخطاب (افانت تكره الناس، حتى يكونوا مؤمنين؟ .. ) يونس 99
واكثر من ذلك: (فهل ينتظرون الا مثل ايام الذين خلوا من قبلهم – قل: فانتظروا اني معكم من المنتظرين) يونس 102…
اذن عليه ان ينتظر. ينتظر اليوم الذي سيلاقون جزاءهم فيه: الغرق مثلاً. الاعصار – او الزلزال – وينتظر وقلبه يتفطر، قلب الداعية المحب لقومه والمتوسم فيهم و في من في اصلابهم خير …
وتنتهي السورة بما هو اقوى: (واصبر حتى يحكم الله. وهو خير الحاكمين) 109 يونس
اذن سيحكم الله. وعليه ان يصبر إلى ان يأتي هذا الحكم. وهو حكم قطعي وغير قابل للاستئناف: تراه الطوفان ام الاعصار ام الزلزال؟؟
هكذا كان عليه الصلاة و السلام يفكر ويتفاعل مع الخطاب القرآني في تلك المرحلة الصعبة التي تكالبت عليه وعلى دعوته الصعوبات والفتن.
وكانت سورة يونس مجرد مقدمة تمهيدية لسورة هود. مجرد احماء ذهني وفكري لما ستفعله سورة هود التي وصفها عليه افضل السلام تحديداً بانها شيبته.
* * *
سورة هود.
(فلعلك تارك بعض مايوحي اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك انما انت نذير .. ) هود 12
(فقال الملا الذين كفروا من قومه مانراك الا بشراً مثلنا و ما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا .. ) هود 27
(قالوا يانوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا فاننا بما تعدنا ان كنت من الصادقين) 32 هود
(… كلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه …) 38 هود
( .. وحال بينهما الموج. فكان من المغرقين) 43 هود
¥