تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وقيل ياأرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الامر .. ) 44 هود

انها صورة مفجعة:- تلك التي تقدمها بداية السورة – الاب وهو يرى ابنه – بأم عينيه يغرق. صورة مفجعة، الاب يحاول مع ابنه، ويتصور ان بامكانه انقاذه: فقط لو صعد إلى السفينة. لكن الابن يأبى. فيغرق: صورة مفجعة لأي اب يعرف طعم الابوة وقيمتها. ولعلها مفجعة اكثر لنوح الذي ربما تذكر انه دعا – ذات مرة. في لحظة صعبة: (رب لاتدع على الارض من الكافرين ديارا) نوح26 – وها هو دعاؤه يستجاب: وتعم الاستجابة فتشمل ابنه نفسه. وما ان تستوي السفينة حتى يقول نوح (رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق .. ) هود 45 – مستذكراً امر الله له: (احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك .. ) هود40.

صورة مفجعة. ولعل اكثر الناس كان استشعاراً لها هو الرسول عليه الصلاة و السلام الذي نزلت الصورة كلهاعلى قلبه: فقد كان اباً مفجوعاً هو الاخر، لم يعش له ذكور وشاهدهم بأم عينيه يموتون امامه. وكان احساسه يتجاوز مصيبة الاب المفجوع ليذكره بتجربة مر بها قبل فترة وجيزة: عندما مات عمه ابو طالب – الذي كان يكن له عميق الحب والتقدير – مات دون ان ينطقها، وظل محمد – بقلب ابن الاخ والربيب المحب – يستنطقه وهو على فراش الموت، ويطلب منه كلمة واحدة يحاجج ربه بها: بينما وقف شخوص الملأ المكي على الجهة الأخرى من الفراش: اتترك دين عبد المطلب؟

ومات. مات دون ان ينطقها. وترك في قلب محمد عليه الصلاة و السلام حسرة عميقة.

واذا كان ابو طالب قد مات – وقضي الامر – فقد كان محمد –عليه الصلاة و السلام يشعر بان الوقت قد بدء يدركه بالنسبة لاخرين: ابناء عمومه وقرابة واصدقاء صبا وشباب. الناس في مكة الذين لم ينطقوا بما يمكن له ان يحاجج ربه من اجلهم. الناس الذين احبهم بقلب الداعية الذي يسع الناس جميعاً: صغاراً وكباراً. اشرافاً وصعاليك.

وكان يشعر – بعد عشر سنوات مضنية من الدعوة والصدود ان الوقت بدء ينقضي وانه سيأتي اليوم الذي يكون فيه: لاعاصم اليوم من امر الله … وقضي الامر .. كذلك كان تفاعله مع تلك الصورة المفجعة لنوح – الاب – الذي شاهد ابنه يغرق امام عينيه، ولنوح – الداعية والرسول: الذي شاهد قومه يغرقون.

وكانت تلك مجرد مقدمة.

* * *

(قالوا ياهود ماجئتنا ببينه وما نحن بتاركي الهتنا عن قولك) 53 هود

(ولما جاء امرنا نجينا هوداً والذين امنوا معه برحمة منا …) 58 هود

(وتلك عاد جحدوا بأيات ربهم … الا بعداً لعاد قوم هود) 59 - 60 هود

* * *

(والى ثمود اخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره) 61 هود

(… فقال تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب) 65 هود

(فلما جاء امرنا نجينا صالحاً … واخذ الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين) 66 هود

(… الا بعداً لثمود) 68 هود

* * *

(ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب) 77 هود

(وجاء قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) 78 هود

(… فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم احد … ان موعدكم الصبح. اليس الصبح بقريب) 81 هود

(فلما جاء امرنا جعلنا عليهم سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود) 82 هود

* * *

(والى مدين اخاهم شعيباً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان …) 84 هود

(قالوا: يا شعيب اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد اباؤنا …) 87 هود

(ولما جاء امرنا نجينا شعيباً والذين امنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين) 94 هود

(… الا بعداً لمدين كما بعدت ثمود) 95 هود

* * *

.. وتتابع الايات – المفجعة. المشيبة في سورة هود. تتلاحق الصور الواحدة تلو الأخرى، مثل جمرات محرقة يمر عليها قلب محمد عليه الصلاة و السلام: لقد مر بذلك كله من قبل. لقد كان هنا من قبل. هذا الحوار بين الانبياء وبين اقوامهم، لقد سمعه من قبل، كان جزءً منه من قبل. لقد قال لقومه – اهل مكة – كما قال عادٌ لقومه. وصالح لثمود. ولوط لقومه. شعيب لمدين. لعشر سنوات الآن وهو يعيد نفس الكلام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير