وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن القوم - أعني مشركي مكة - كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! فقال الله لنبيه: ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدون عن المسجد الحرام! فأعلمه جل ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون، بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجه قوله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} إلى أنه عنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم وعما الله فاعل بهم، ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضى، وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} ... الآية، لأن قوله جل ثناؤه: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي. أ. هـ.
جاء في صحيح البخاري: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو جهل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام الآية (البخاري 4281 كتاب تفسير القرآن باب قوله واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك ... )
سادسا: لنقم بعملية استعراض جديدة للأحاديث الواردة نأخذ فيها الاحداث الرئيسية دون وجه الترتيب والسببية التي ذكرها الرواة, اي ان نفكّك بنيتها ثم نعيد صياغتها من جديد لنكوّن صورة. فواضح ان الاحاديث بما هي عليه كما رويت لا تساعد في رسم صورة واضحة.
هناك ثلاث محاور رئيسية في هذه الاحاديث:
1 - ان الرسول دعا على اهل مكة.
2 - ان قريش اصابها الجوع.
3 - ان قريش طلبت من الرسول ان يعينها في تجاوز محنتها.
اعتقد ان الدخيل في هذا الموضوع برمته هو دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم حيث رتبّت الاحداث بناء على دعائه فكان ما اصاب قريش هو بسبب دعائه كما ان قريش ونتيجة لدعائه جاءت تطلب من الرسول ان يدعو الله ليكشف عنها ما اصابها من الجوع.
اذا استعرضنا اولا نكبات الجوع التي اصابت قريش, نجد ان قريش – كما جاء في كتب السير والحديث – قد اجمعت بشكل تقريبي على حادثتين:
الاولى: المجاعة التي اصابت قريش عقب اسلام ثمامة بن اثال سيد بني حنيفة والذي هدّد قريش بأن لا ينالها حبة من قمح حتى يأذن به الرسول صلى الله عليه وسلم, ونفّذ ثمامة تهديده, فجاءت قريش الرسول تسأله صلة الرحم: جاء في صحيح مسلم:
عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان من الغد فقال ماذا عندك يا ثمامة فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا
¥