ومنها: جعل الأمر بترك الاحتمال للاستئناف, وجعله خاتمة للإعراض عن الشانئ, ولم يسمه ليشمل كلَّ من اتصف - والعياذ بالله - بهذه الصفة القبيحة, وإن كان المراد به شخصاً معيناً, لَعَيَّنَه الله تعالى.
ومنها: التنبيه بذكر هذه الصفة القبيحة، على أنه لم يتصف إلا بمجرد قيام الصفةِ به، من غير أن يؤثر في من شنأه شيئاً - ألبتة - لأن من شنأ شخصاً، قد يؤثر فيه شنؤه.
ومنها تأكيد الجملة بـ " إنَّ " المؤذنة بتأكيد الخبر، ولذلك يتلقى بها القسم، وتقدير القسم يصلح هاهنا.
ومنها: الإتيان بضمير الفصل المؤذن بالاختصاص والتأكيد إن جعلنا " هُوَ " فصلاً، وإن جعلناه مبتدأ فكذلك يفيد التأكيد إذ يصير الإسناد مرتين.
ومنها: تعريف الأبتر بـ " أل " المؤذنة بالخصوصية بهذه الصفة، كأنه قيل: الكامل في هذه الصفة.) انتهى.
تعليق:
هذا النص المنقول بطوله يوضح ما ذكرته من البحث عن إعجاز السورة من الداخل ... وملخصه:سعة السورة لمعان كثيرة بليغة مع صغرها .... لقد جمع ابن عادل هنا ملاحظات أسلوبية وبلاغية ونحوية "عادية" جدا يمكن رصدها في باقي القرآن بل في أي كلام لبلغاء العرب أنفسهم ... لكن مقصود المفسرين أن الملاحظات العادية قد تكوثرت و اجتمعت بصورة غير عادية في سورة الكوثر وهذا هو مناط الاعجاز.
نموذج للتوجه الثاني: تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير/ الرازي.
اختار فخر الدين رحمه الله أن يبحث عن لطائف السورة باستعراض السياق الضيق فقال:
(فذكر في هذه السورة في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة، فذكر في مقابلة البخل قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَـ?كَ ?لْكَوْثَرَ} أي إنا أعطيناك الكثير، فأعط أنت الكثير ولا تبخل، وذكر في مقابلة: {?لَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـ?تِهِمْ سَاهُونَ} قوله: {فَصَلِّ} أي دم على الصلاة، وذكر في مقابلة: {?لَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ} قوله: {لِرَبّكِ} أي ائت بالصلاة لرضا ربك، لا لمراءاة الناس، وذكر في مقابلة: {وَيَمْنَعُونَ ?لْمَاعُونَ} قوله: {وَ?نْحَرْ} وأراد به التصدق بلحم الأضاحي، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة، ثم ختم السورة بقوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ?لأَبْتَرُ} أي المنافق الذي يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه أثر ولا خبر، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل، وفي الآخرة الثواب الجزيل.) انتهى
ثم ذكر بعد ذلك في ما سماه الوجه الثاني من التناسب أمورا موغلة في المنهج الإشاري والتأويل الصوفي المفرط-حتى قلت لعل هذا القسم من التفسير مما زاده من كمل تفسيره-
ثم شرع -رحمه الله-في بيان التناسب معتبرا السياق الموسع منطلقا في ذلك من فرضية مفادها أن السور الممتدة من سورة الضحى إلى نهاية المصحف الشريف مرورا بسورة الكوثر ينتظمها نسق ثلاثي مطرد توضحه عباراته التالية:
(اعلم أن فيه فوائد:
الفائدة الأولى: أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور. أما أنها كالتتمة لما قبلها من السور، فلأن الله تعالى جعل سورة وَ?لضُّحَى? في مدح محمد عليه الصلاة والسلام وتفصيل أحواله، فذكر في أول السورة ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته أولها: قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى?}،الضحى:4] وثالثها: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى?} ثم ختم هذه السورة بذكر ثلاثة أحوال من أحواله عليه السلام فيما يتعلق بالدنيا وهي قوله:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَاوَى? وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى? وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى?} [الضحى:6 - 8] ثم ذكر في سورة: {أَلَمْ نَشْرَحْ} أنه شرفه بثلاثة أشياء أولها: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وثانيها: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ?لَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ}، وثالثها: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
ثم إنه تعالى شرفه في سورة: التين بثلاثة أنواع من التشريف أولها: أنه أقسم ببلده وهو قوله: {وَهَـ?ذَا ?لْبَلَدِ ?لأَمِينِ}، وثانيها: أنه أخبر عن خلاص أمته عن النار وهو قوله: {إِلاَّ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ}، وثالثها: وصولهم إلى الثواب وهو قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}.
¥