وهنا وقفتان:
الأولى: من هو أبو عبد الله هذا؟
الثانية: من هو المهدي بن محمد هذا؟
أما الأولى: فأبو عبد الله هنا هو: محمد بن كرَّام، شيخ الكرّاميّة، والدليل عندي على ذلك، استخدام الصريفيني هذه العبارة لأناس كثيرين ثبت أنهم ((كرّاميّون)) من ذلك ما ذكره في ترجمته لمحمد بن إسحاق بن محمشاذ، أبي بكر الواعظ، قال: زعيم أصحاب أبي عبد الله ورئيسهم ... وظهرت به دولة الكرّاميّة واعتمده الأمير محمود ([27]).
هذا وقد قرأت كتاب ((المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور)) من أوّله إلى آخره، فوجدته في ثلاثين ترجمة يصرح فيها بـ ((أصحاب أبي عبد الله)) ويزيد في بعضها ((الطائفة)) كقوله عن عتيق بن محمد السورياني: ((شيخ طائفة أبي عبد الله في عصره)) ([28])، وكقوله عن كامل بن أحمد بن جعفر العزائمي: (( ... فتحول إلى الطائفة من أصحاب أبي عبد الله)) ([29])، وكقوله في ترجمة محمشاذ بن أحمد: زعيم طائفة أبي عبد الله ([30]).
وأما الثانية: فـ ((المهدي بن محمد)):
يغلب على الظن أنَّ في العبارة تحريفاً صوابه: حذف كلمة ((ابن)) وتكون العبارة (المهدي محمد)، وإن صحّ هذا التخمين فيكون المراد هو: محمد بن عبد الله بن الهيصم، خاصة وأن الشيخ حامد وصفه بـ ((الهادي)) والله أعلم.
وإذا صحّ أنَّ المراد هو ابن الهيصم، فيكون هذا دليلاً أيضاً على ((كرّامية)) المؤلف.
الجانب الثالث: هذا الشيخ له ترجمة في كتاب ((تاريخ نيسابور)) بدليل وجودها في ((المنتخب)) مما يعني أنه نيسابوري إمّا من أهلها وإمّا من الطارئين عليها ومعلوم أنَّ نيسابور في هذه الفترة كانت مرتعاً للكرّامية وسوقاً نافذاً لهم حتى تبؤوا في دولتها المناصب العالية.
أمّا مذهبه الفقهي فلم أجد من صرح به، إلا أنِّي وجدته يقول: ((أبو حنيفة رضي الله عنه)) ([31]) وذكر مالكاً والشافعي ولم يترحّم عليهما ([32]). والله أعلم.
المطلب الثالث: شيوخه:
لم يذكر المؤلِّف في كتابه غير شيخين له، هما:
الأوَّل: أبو عبد الله: محمد بن علي بن الهيصم، ويلاحظ هنا أنه تفنن في اسمه، فتارةً يسميه ((أبو عبد الله محمد بن علي)) ([33])، وتارةً يسميه ((محمد بن الهيصم)) ([34])، وأخرى ((أبو عبد الله محمد بن الهيصم)) ([35])، وهذا كله تفنن إذ ليس الجميع إلاَّ شخصاً واحداً، ولم أجد ترجمةً له إلاَّ عند الصفدي ([36])، حيث عرفه بأنه:
محمد بن الهيصم، أبو عبد الله شيخ الكرامية، وعالمهم في وقته، وهو الذي ناظره ابن فورك ([37]) بحضرة السلطان محمود بن سبكتكين ([38])، وليس للكرامية مثله في الكلام والنظر، وكان في زمانه رأس طائفته ([39]).
وقال الشهرستاني: وقد اجتهد ابن الهيصم في إرمام مقالة أبي عبد الله في كل مسألة حتّى ردّها من المحال الفاحش إلى نوع يفهم فيما بين العقلاء اهـ ([40])
وقد بيّن الشهرستاني مكانة ابن الهيصم وآرائه في علم الكلام فقال: وهو -المذهب الكرَّامي- أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج، وهم مجسّمة وحاش غير محمد بن الهيصم فإنَّه مقارب. اهـ ([41])
مؤلفاته:
له كتاب ((المقالات)) نقل عنه الشهرستاني واعتمد عليه ابن أبي الحديد ([42]) في تقرير مذهب الكرامية في كتابه شرح نهج البلاغة ([43]).
تنبيه: ذكر صاحب ((تاج العروس)) في ما استدركه على القاموس: الهيصمية: ((فرقة من الكرامية أصحاب محمد بن الهيصم)) ([44]).
الثاني: الشيخ أبو القاسم عبد الله بن محمشاذ، لم يذكره إلاّ في موضع واحد جاء في السياق التالي: وهذه الأحاديث كلها مكتوبة على وجهها في كتاب ((فيه ما فيه)) للشيخ أبي سهل رحمة الله عليه، إلا أنه لم يكن عندي إسنادها، ووجدت إسنادها فيما أجازني الشيخان أبو عبد الله محمد بن علي والشيخ أبو القاسم عبد الله بن محمشاذ رويتها عنهما لأكون قد جمعت بين ذكر المشايخ ... الخ ([45]).
وأما في غير كتابه فقد وجدت الأندرابي ذكر شيخين آخرين للمؤلف وهما:
1 - أبو الحسن أحمد بن القاسم الفارسي، قال الأندرابي ([46]): أخبرنا أبو محمد حامد بن أحمد بن جعفر بن بسطام قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن القاسم الفارسي، ثم ذكر سنده إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله r: (( من قرأ القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله)) ([47]).
ثم ذكر الأندرابي أيضاً عدّة أحاديث لكنها باسم أبي الحسن الفارسي.
¥