أستطيع القول -بكل أسف- أن هذا العالم القوي القلم والتأليف كان ((كَرَّامياً)) وقبل أن أذكر الأدلة على ذلك يستحسن التعريف بهذه الفرقة إجمالاً، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
((الكرامية)) ([10]): فرقة ((كلامية)) تنسب إلى: محمد بن كرّام (255هـ) ولد بسجستان، ثم رحل إلى خراسان في بداية حياته وتعلّم بها، قال عنه الذهبي ([11]) رحمه الله: المبتدع شيخ الكرامية، كان زاهداً عابداً ربانياً، بعيد الصِّيت، كثير الأصحاب، لكنه يروى الواهيات اهـ ([12]).
وقال الشهرستاني ([13]): نبغ رجل متنمس ([14]) بالزهد من سجستان يقال له: أبو عبد الله محمد بن كرّام، قليل العلم، قد قمش ([15]) من كل مذهب ضغثاً ([16]) وأثبته في كتابه، وَرَوَّجه على أغتام ([17]) غزنة وغور وسواد بلاد خراسان، فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهباً ... قال: وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهم مجسِّمة. اهـ ([18])
الأدلة على كرّامية المؤلِّف:
إنَّ من يقرأ كتاب ((المباني لنظم المعاني)) لا يجد ذكراً لمسألة من المسائل العقدية التي تميّز الكرّامية عن غيرها، بل قد يجد عكس ذلك، أعني أنّه سيجد عبارات وأبحاثاً يظنّ قارؤها أنَّ كاتبها من أهل السنة والجماعة، وذلك في مثل دفاعه عن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم، وكتسفيهه وإبطاله آراء بعض الفرق التي حاولت بل وطعنت في الصحابة رضي الله عنهم ([19]).
ولقائل أن يقول: إذن كيف حكمت على المؤلِّف بأنّه كرّاميّ.
فالجواب: إنَّ كرّاميّة الرجل تظهر لي من ثلاثة جوانب:
الجانب الأوَّل: من خلال كتابه؛ وذلك في:
1 - اعتماده الكبير والقوي على شيخه ابن الهيصم، الذي هو من أعمدة المذهب الكرّامي كما سيأتي.
2 - الترضي على شيخه.
وهنا قد يقول قائل: إنَّ المؤلِّف استخدم صيغة الترضي مع الصحابة رضي الله عنهم أيضاً، فأقول:
المعلوم والمرجّح عند العلماء هو تخصيص ((الصلاة والسلام)) على الأنبياء والمرسلين، والترضي وهو: ((رضي الله عنه)) أو ((عنهم)) بصحابة رسول الله r، و ((الترحم)) بمن جاء بعدهم، أمّا استعمال بعضها في محل بعض فأصبح ذات دلالات معينة؛ كاستخدام ما هو حق للأنبياء لغير الأنبياء، مما أدى مع مرور الزمن إلى أن صارت شعارات تتميز بها فرق دون أخرى، وكذلك استخدام ما يخص الصحابة لغيرهم أصبح ذات إشارات إلى زيادة نوع من المحبة لدى المستعمِل في حق المستعمَل له، خاصةً إذا كان ذلك لا يطبق في حق جميع العلماء.
وفيما يخص الشيخ حامد هنا أنّه ذكر شيخه بألفاظ تدل على ((مزية)) عنده تختلف عن غيره من العلماء، ومثال ذلك:
1 - قوله: أخبرنا الشيخ الإمام أبو عبد الله بن علي رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة متقلبه ومأواه .... ([20])
2 - وكقوله: أخبرنا الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن علي رضي الله عنه ... ([21])
3 - وقوله: قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن الهيصم رضي الله عنه ... ([22])
4 - وقوله: أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن الهيصم رضي الله عنه إجازة ... [23])
5 - وقوله: قال –ابن الهيصم- رضي الله عنه ... ([24])
6 - وقوله: فيما أخبرنا الشيخ محمد بن الهيصم رضي الله عنه ... ([25])
فهذه مواضع تميّز فيها ذكرُ شيخه ابن الهيصم عن غيره من العلماء بصيغة ((الترضي)).
3 - الترضي على شيخ الكرّامية محمد بن كرّام:
وهذا من أقوى الأدلّة -عندي مع قلة المصادر- التي تشير إلى كرّامية مؤلِّف ((المباني لنظم المعاني)) مع أنَّ شيخ الكرّاميّة ليس له ذكر في الكتاب إلاّ في موضع واحدٍ، إلاّ أنَّ هذا الموضع جاء بأسلوبٍ لا يدع مجالاً لقارئ إلاّ أن يتيقّن أنَّ المؤلِّف ((كرّاميّ)) أو على أقلّ تقديرٍ ((محبٌّ للكرامية)) وجاء النص كالتالي: ((وعن الإمام الهادي أبي عبد الله محمد بن كرام رضي الله عنه ... وإنما ذكر الإمام الهادي رضي الله ... وهي التي ذكرها الإمام الهادي رضي الله عنه ... )) ([26]).
وانظر أخي الكريم إلى هذه الألقاب ((الإمام)) ((الهادي)) مع عبارة ((رضي الله عنه)) وما يوحيه كل ذلك من معاني تشير إلى ((عقيدة)) قائلها عفا الله عنا وعنه وعن جميع المسلمين.
الجانب الثاني: من خارج كتابه، وبالتحديد من كتاب: ((المنتخب من السياق)) حيث ذكر الصريفيني أن حامداً هو ((من أصحاب أبي عبد الله)) وأنه ((صحب المهدي بن محمد من كبار أصحابهم)).
¥