تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

? وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين ? (البقرة:14 - 16).

هؤلاء المنافقون، الذين اشترَوا الضلالة بالهدى، والكفر بالإيمان، فخسروا كلتا الطلبتين؛ كأغفل ما يكون المتجرون، وفشلوا في تحقيق مآربهم الخبيثة، وأهدافهم الدنيئة، وحرموا أنفسهم من السعادة، التي رسم الله تعالى لهم طريقها، ثم غادروا دنياهم، وهم صفر اليدين من كل خير، مثقلون بأنواع الذنوب والآثام، كانوا- وما زالوا- أشدَّ خطرًا على الإسلام والمسلمين من الكافرين، الذين ? خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ? (البقرة:7).

ولهذا جاءت آيات الله تعالى تنبِّه على صفاتهم، وتفضح نفاقهم، وتكشف عن حقيقتهم، وتحذر من خطرهم على المسلمين وعلى الكافرين؛ لئلا يغترَّ المؤمنون بظاهر أمرهم، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر. وهذا- كما قال ابن كثير- من المحذورات الكبار أن يظَن لأهل الفجور خير، فقال تعالى:? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ? (البقرة:8). أي: يقولون ذلك قولاً ليس وراءه شيء آخر، فكذبهم الله تعالى، ثم شرع يعدد صفاتهم، ويفضح نفاقهم، ويكشف عن زيغهم، وفساد قلوبهم، ويرد عليهم أقوالهم؛ وهم الذين حذّر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم منهم، بقوله سبحانه:? هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ? (المنافقون:4).

هؤلاء المنافقون هم الذين ضرب الله تعالى لهم هذين المثلين، اللذين يصوران حقيقة أحوالهم، ويكشفان عن مكنون صدورهم، ويفضحان نفاقهم، ويرسمان ما كان يتولَّد في نفوسهم عند سماعهم القرآن من قلق واضطراب، وذعر وخوف، وحسرة وحيرة، وتيه وضلال، نتيجة كذبهم، وخداعهم، وتعاليهم، واستهزائهم، وتآمرهم.

والمنافقون الذين ضُرِب لهم هذان المثلان هم قسم واحد خلافًا لمن ذهب إلى أنهم قسمان، وأن المثل الأول منهما مضروب للقسم الأول، وهم الذين آمنوا، ثم كفروا، وأن الثاني مضروب للقسم الثاني، وهم الذين لا يزالون على نفاقهم، مترددين بين الإيمان والكفر. وخلافًا لمن ذهب إلى أن المثل الأول يخصُّ طائفة الكافرين، الذين قال الله تعالى في حقهم:? خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وّلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? (البقرة:7). وأن المثل الثاني يخصُّ طائفة المنافقين، الذين قال الله تعالى في حقهم:? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ? (البقرة:8)؛ لأن المنافقين، وإن كانوا- على ما قيل- قسمين: أئمة، وسادة مردوا على النفاق، وأتباع لهم كالبهائم والأنعام، فإن الأوصاف، التي ذكرت في الآيات السابقة من سورة البقرة هي أوصاف رءوس النفاق، لا أوصاف أتباعهم، وإن كانت تشملهم جميعًا؛ وهم المشار إليهم بقوله تعالى:

? أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين ? (البقرة:14).

المثل الأول: مثل المنافقين مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

? مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ? (البقرة:17 - 18)

وهو مثل يصور حقيقة المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواقفهم منه بصورة طائفة من الناس مع الذي استوقد نارًا في ليلة شديدة الظلمة. فلما حصل لهم نور من ضوء تلك النار، ذهب الله بنورهم، وتركهم يخبطون في ظلمات بعضها فوق بعض؛ لأنهم آثروا الظلمة على النور، والضلالة على الهدى .. كذلك كان حال المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منقول وهناك تتمة للموضوع

ـ[الهنوف ابراهيم]ــــــــ[01 - 04 - 2006, 08:18 م]ـ

:) اشكركم على تعاونكم

ـ[يوسف الساريسي]ــــــــ[01 - 04 - 2006, 10:52 م]ـ

أخي لؤي حفظك الله ورعاك

لقد قرأت ما سطرت يداك حول طلب الأخت الهنوف باستخراج الصور البيانية من الآية 17 من سورة البقرة، ولقد أذهلتني طريقة النظم التي كتبت بها والتي بدت لي وكأنها خارج هذا العصر بحيث ظننت أسلوبها كأسلوب كاتب من القرن الرابع أو الخامس.

وقد بدا لي أن اخص الموضوع ببعض التساؤلات والتعقيبات على ما أوردته فيه، كما يلي:

1. ما هو الحد الفاصل بين التخيلات والأوهام في التمثيل، وخصوصا إذا تم الاستئناس بالتخيلات وتم الابتعاد عن المعقولات التي هي محسوسات في الأصل؟

2. ما تقصد بتحريك نفرة الوجدان؟

3. ما هو الضابط للرابطة الحقيقية بين المعاني في التمثيل؟

4. هل الأمثال تحصر في تضمنها للغرابة فقط، أم أن الأمثال أوسع من ذلك بتضمنها العبرة وخلاصة الحكمة أيضا؟

أما بالنسبة لإشارتك في الآية (فهم لا يرجعون) بأن هؤلاء القوم كالمضطرب في بحر الرمل. فأرى أنه يمكن توجيه المعنى أيضا كما ورد في سورة طه (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) أي لا يستجيب إذا سألوه أو كلموه.

فالرجع هنا بمعنى الاستجابة للمؤثرات الخارجية وهي أحد أوصاف الكائن الحي، وكأن هناك إشارة في وصف من لا يرجع كمن لا يستجيب من الجمادات أو الأموات، كما في سورة الأحقاف (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5). فما قولك سيدي الكريم؟

بانتظارك:)

والسلام عليكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير