ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[04 - 04 - 2006, 06:18 ص]ـ
أخي الحبيب يوسف - حفظك الله ..
بداية أعتذر عن التأخر في الردّ ..
وسأحاول إن شاء الله أن أجيب عن الأسئلة المطروحة بإيجاز قدر المستطاع ..
وبخصوص ما تفضّلت به في قولك: " ولقد أذهلتني طريقة النظم التي كتبت بها والتي بدت لي وكأنها خارج هذا العصر بحيث ظننت أسلوبها كأسلوب كاتب من القرن الرابع أو الخامس ". فهذا لطف منك - أخي الكريم.
على أن كثيراً مما جاء في مداخلتي هو اقتباس من كلام لعلم من أعلام القرن العشرين، وهو الإمام بديع الزمان سعيد النورسي - رحمه الله ..
1. ما هو الحد الفاصل بين التخيلات والأوهام في التمثيل، وخصوصا إذا تم الاستئناس بالتخيلات وتم الابتعاد عن المعقولات التي هي محسوسات في الأصل؟
أخي الفاضل ..
إن في التمثيل سرّاً لطيفاً وحكمة عالية .. إذ به يصير الوهم مغلوباً للعقل، والخيال مجبوراً للانقياد للفكر، وبه يتحوّل الغائب حاضراً، والمعقول محسوساً، والمعنى مجسّماً، وبه يجعل المتفرّق مجموعاً، والمختلط ممتزجاً، والمختلف متحّداً، والمنقطع متّصلاً ...
ولطافة التشبيه إنما تكون بلاغة إذا تأسّست على مناسبة المقصود وارتضى به المطلوب. وعظمة الخيال وجولانه إنما تكون من البلاغة إذا لم تؤلم الحقيقة ولم تثقل عليها، ويكون الخيال مثالاً للحقيقة متسنبلاً عليها. فلابدّ في كل خيال من نواة من الحقيقة، ولابدّ في زجاجة كل مجاز من سراج الحقيقة، وإلا كانت بلاغته خرافة بلا عرق لا تفيد إلا حيرة.
والكلام إذا حذا حذو الواقع، وطابق نظمه نظامه حاز الجزالة بحذافيرها، وإلا بان توجه إلى نظم اللفظ وقع في التصنّع والرياء كأنه يقع في أرض يابسة وسراب خادع.
ثم إن المعاني المجتناة من خريطة الكلام على أنواع مختلفة ومراتب متفاوتة .. فبعضها كالهواء يُحسّ به ولا يُرى .. وبعضها كالبخار يُرى ولا يؤخذ .. وبعضها كالماء يؤخذ ولا ينضبط .. وبعضها كالسبيكة ينضبط ولا يتعيّن .. وبعضها كالدرّ المنتظم والذهب المضروب يتشخّص ..
ولدى تتبّع عناصر الكلام في الأمثال، نجد أن الصورة الواردة في المثل إما أن تكون منتزَعة من الواقع، وإما أن تكون منتزَعة من الخيال. ومثال على الصورة المنتزَعة من الخيال، تمثيل طلع شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم بصورة رؤوس الشياطين، كما قال الله تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصافات: 62 - 68].
فما من أحد يعرف صورة رؤوس الشياطين، ولكن في خيالهم صورة قبيحة منفّرة مخيفة للشياطين ورؤوسهم، وهي أقبح وأخوف صورة يتخيّلونها. فهذا المثل ضربه الله تعالى للناس ممثلاً بطلع شجرة الزقزم في جهنم بأقبح صورة وأخوفها يمكن أن يتخيّلها إنسان. فالشياطين أقبح وأخبث موجود، والصورة التي ينسجها خيال الناس لهم هي أقبح وأخبث صورة. فالتمثيل بها تمثيل منتزَع من الخيال، لا من الواقع، وقد يكون الواقع كذلك، لكن المخاطبين خوطبوا على مقدار ما في خيالهم.
وأما الحدّ الفاصل بين التخيّلات والمعقولات، فسأتطرّق إليه في النقطة الثالثة إن شاء الله لأنه متعلّق بها إلى درجة كبيرة.
2. ما تقصد بتحريك نفرة الوجدان؟
كما أن المتكلّم يفيد المعنى ثم يُقنِع العقل بواسطة الدليل، فهو كذلك يلقي إلى الوجدان حسّيات بواسطة صور التمثيل، فيحرّك في القلب الميل أو (النفرة) ويهيّئه للقبول. فالكلام البليغ ما استفاد منه العقل و (الوجدان) معاً، فكما يتداخل إلى العقل يتقطّر إلى (الوجدان) أيضاً. والمتكفل لهذين الوجهين التمثيل، إذ هو يتضمّن قياساً وينعكس به في مرآة الممثَّل القانون المندمج في الممثَّل به. كما تقول في رئيس يكابد البلايا لراحة رعيّته: الجبل العالي يتحمّل مشاقّ الثلج والبَرَد، وتخضرّ من تحته الأودية ..
¥