ـ[أبو حلمي]ــــــــ[14 - 04 - 2006, 10:20 م]ـ
أبو حلمي يواصل التشجيع لكم.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[15 - 04 - 2006, 05:22 م]ـ
بارك الله فيك أخي الحبيب سليم وأحسن إليك ..
وأظنّ أنك لا تخالفني الرأي في أن سياق الآيات هو الذي يحدّد المعنى المراد ممّا نحن فيه.
فالخيرية كما جاءت في الآيات هنا إنما هي بين أمرين أحدهما لا خير فيه مطلقاً، والآخر لا شرّ فيه مطلقاً. ولا يخفى عليك أن مثل هذا الأسلوب مستعمل في عبارات الناس، فيقول ذو السلطان لأحد الذي كانوا من المقرّبين لديه، وله مكانة وحظوة، فخرج عليه، فحكم عليه بالسجن والتعذيب، وأمر بتنفيذ الحكم فيه: أترى هذا العذاب خيراً لك، أم ما كنت فيه من نعمة ومكانة لدينا، ومطالب مستجابة؟
ولنتدبّر سياق الآيات:
يقول تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا) [الفرقان: 21]، وبهذا فقد ارتقى الذين لا يترقّبون لقاء الله تعالى ولا يخافونه في مطالبهم التعنتية، فطلبوا إنزال الملائكة عليهم بالوحي المباشر، أو رؤية ربهم وتلقي الدين عنه مباشرة. فأبان الله عزّ وجلّ أن طلبهم هذا مظهر من مظاهر شدّة الكبر الذي في نفوسهم عن اتباع من اصطفاه الله رسولاً، وتلقي وحي الله عنه، وتطاول منهم إلى منزلة يريدون بها أن يكونوا هم بدل النبي الرسول، وجعلوا ذلك شرطاً على الله عزّ وجلّ حتى يؤمنوا ويسلموا، وأبان الله تعالى أن تعنّتهم هذا عتوّ كبير منهم، تجاوزوا به أقصى مدى يبلغه المعاندون المتعنّتون، إذ هم يفرضون شروطهم على بارئهم، مع أن ما يُدعَون إليه هو لسعادتهم، وأن إباءهم سبب لشقائهم وتعاستهم الأبدية.
وكان العلاج القرآني لموقفهم هذا ببيانٍ حول رؤيتهم للملائكة، والذي تضمّن أنهم سيرون الملائكة، ولكن بعد انتهاء ظروف امتحانهم في الحياة الدنيا. إنهم سيرون الملائكة عند أول خطوة يخطونها إلى عتبة الموت، وحينئذ لا تكون لهم بشرى في هذه المشاهدة، بل هم يخافون منها إلى حدّ الذعر الشديد والهلع، حتى يقولوا عندها: حجراً محجوراً، مستعيذين من نزول العذاب فيهم، شأنهم كشأن سائر المجرمين، قال تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا) [الفرقان: 22].
وإن كانوا يتصوّرون أن بعض أعمالهم الحسنة، كسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، تنفعهم يومئذ بشيء، فليعلموا أن أعمالهم الحسنة لا تُقبل منهم إلا بعد إيمانهم الكامل بالله وحده، وبرسوله، وبالكتاب الذي أُنزل عليه وبكل ما جاء به، ومن ذلك الإيمان بيوم الدين، ودلّ على هذا الحكم الربّاني المبرم قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [الفرقان: 23]، أي: لا قيمة لأي عمل حسن عملوه في الدنيا غير مبنيّ على إيمان صحيح، مع ابتغاء رضوان الله فيه، ولا وزن له حتى يُوضع في موازين أعمالهم الصالحة.
ثم بعد ذلك استدعى بيان حالهم ضمن حال سائر المجرمين، بيان حال فريق المؤمنين أصحاب الجنّة، فهم في حال حسنة خيرٍ من حالهم، سواء في المصير الذي يكون به استقرارهم في جنات النعيم، أو في مدّة البرزخ بين الموت والبعث، وحيث تبقى أجسادهم ونفوسهم في حالة تشبه حالة النائم في قيلولته، وسط النهار، ودلّ على هذا قوله تعالى: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) [الفرقان: 24].
وكما ترى - أخي الفاضل - فإن الآيات التي سبقت هذه الآية تبيّن ما يتعلّق بحال المشركين وسائر الكافرين بدءاً من أول لحظات رؤيتهم للملائكة عند الموت، لتعرض بياناً متعلّقاً بالفريق السعيد، وهم أصحاب الجنة، وهذه طريقة القرآن في الجمع بين بياني الإنذار والبشارة في النصوص القرآنية، فإذا سبقت المنذرات تبعتها المبشّرات، وإذا سبقت المبشّرات جاءت بعدها المبشّرات، فقال تعالى: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا). فلا يمكن أبداً أن يكون المقصود بـ (أحسن مقيلاً) هنا أن "أهل الجنة كان لهم مقيل في الحياة
¥