تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمحققون من أهل الأصول على أن عدم تأثير العلة إن كان لوجود مانع من التأثير أو انتفاء شرط التأثير فوجودها مع تخلف الحكم لا ينقضها ولا يقدح فيها وخروج بعض أفراد الحكم حينئذ تخصيص للعلة لا تقض لها كالقتل عمدا عدوانا فانه علة القصاص إجماعا ولا يقدح في هذه العلة تخلف الحكم عنها في قتل الوالد لولده لأن تأثيرها منع منه مانع هو الأبوة وأما إن كان عدم تأثيرها لا لوجود مانع أو انتفاء بشرط فانه يكون نقضا لها وقدحا فيها.

ولكن يرد على هذا التحقيق ما ذكره بعض العلماء من أن قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه) علة منصوصة لقوله: (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُم) الآية، مع أن هذه العلة قد توجد ولا يوجد ما عذب به بنو النضير من جلاء أو تعذيب دنيوي وهو يؤيد كون النقض تخصيصا مطلقا لا قدحاً. ويجاب عن هذا بأن بعض المحققين من الأصوليين قال: إن التحقيق المذكور محله في العلة المستنبطة دون المنصوصة وهذه منصوصة كما قدمنا ذلك في أبيات مراقي السعود في قوله:

وليس فيما استنبطت بضائر ... إن جاء لفقد الشرط أو لما منع

هذا ملخص كلام العلماء وحججهم في المسألة، والذي يظهر رجحانه بالدليل هو الجمع بين الأدلة؛ لأن الجمع واجب إذا أمكن بلا خلاف كما أشار له في المراقي بقوله: والجمع واجب متى ما أمكنا .. الخ ..

ووجه الجمع بين هذه الأدلة هو عذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة بالأمر باقتحام نار فمن اقتحمها دخل الجنة وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا ومن امتنع عذب بالنار وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا لان الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل وبهذا الجمع تتفق الأدلة فيكون أهل الفترة معذورين، وقوم منهم من أهل النار بعد الامتحان، وقوم منهم من أهل الجنة بعده أيضا، ويحمل كل واحد من القولين على بعض منهم علم الله مصيرهم، وأعلم به نبيه صلى الله عليه وسلم، فيزول التعارض.

والدليل على هذا الجمع ورود الأخبار به عنه صلى الله عليه وسلم. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) بعد أن ساق طرق الأحاديث الدالة على عذرهم وامتحانهم يوم القيامة رادّا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث عذرهم وامتحانهم ما نصه: "والجواب عما قال، إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها" انتهى محل الغرض منه بلفظه.

ثم قال: "إن هذا قال به جماعة من محققي العلماء والحفاظ والنقاد وما احتج به البعض لرد هذه الأحاديث من أن الآخرة دار جزاء لا دار عمل وابتلاء فهو مردود من وجهين: الأول أن ذلك لا ترد به النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم ولو سلمنا عموم ما قال من أن الآخرة ليست دار عمل لكانت الأحاديث المذكورة مخصصة لذلك العموم. الثاني: أنا لا نسلم انتفاء الامتحان في عر صات المحشر بل نقول دل القاطع عليه؛ لأن الله تعالى صرّح في سورة القلم بأنهم يُدعون إلى السجود في قوله جل وعلا: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) الآية.

ومعلوم أن أمرهم بالسجود تكليف في عرصات المحشر، وثبت في الصحيح أن المؤمنين يسجدون يوم القيامة وأن المنافق لا يستطيع ذلك ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقاً واحدا ًكلما أراد السجود خرّ لقفاه، وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجا منها أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك مرارا، ويقول الله تعالى يا ابن آدم ما أغدرك ثم يأذن له في دخول الجنة، ومعلوم أن تلك العهود والمواثيق تكليف في عرصات المحشر والعلم عند الله تعالى ". أ. هـ.

والله أعلم

ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[21 - 04 - 2006, 05:49 ص]ـ

الأستاذ لؤي

لا أدري ما سرّ تمسكك بكلام الشيخ الشنقيطي مع أنّ الجمهور على خلافه وأنّ العذاب هو العذاب في الدنيا في الآية محل الخلاف

((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).

ولو نظرت نظرة متأنيّة إلى سياق ما قبلها وما بعدها لعلمت أنّ الكلام كله عن العذاب الدنيوي

(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً# وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً # وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)

فلا بد من وجود تناسب بين قوله "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"

وقوله مباشرة بعدها (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)

والتي بعدها (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير