تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأعاد الكلام على خصائص الشعر، وقال إِنَّ "الحركة النفسانية تستولي عليها وتلتمس الخروج من طرق النطق، فإن الإنسان صفته الغالبة هو النطق ... فمن أوتي نطقاً ورقة وغناء يخرج منه الشعر والترنم وإن زفَّه الأثر ربما رقص. فالشعر لا يتجرّد عن الوزن والنغمة والرقص، ولكن الوزن يحتمل فيبقى بالكلام، فأما النغمة فلا يحتملها الكلام إلا قليلاً، والرقص أمر على نهاية الإحساس حتى يخرج المرء عن وقاره، والكلام لا يحتمله، فبقي من آثار حركات النفس بالكلام قدر ممكن وترك ما لم يُمكنْ ولم يلتزمه، فإن كمال الشيء ليس مما يصحبه في كل حال. ألا ترى العقل من مقومات الإنسان، ولكن كمال العقل لا يلتزمه، وكذلك البلاغة كمال النطق، ولكنها لا توجد في كل ناطق، فكذلك النغمة لا توجد مع كل شاعر، ولكن مع ذلك لا يوجد الشعر خالياً عن النغمة كلَّ الخلو، فإِنَّا لا نتصور شاعراً لا يترنم، والعرب لا تعرف الشعر بغير الإنشاد، والوزن طرف من النغمة" (ص18 - 19) وانتهى إلى القول:" فمن ظن أَنَّ مكالمة سقراط من جنس الشعر لم يعرف من كُنْهِ الشعر إلاّ المحاكاة، ومن ظن أَنَّ الوزن ليس من الشعر لم يعرف من أَصل حقيقة الشعر إلاّ طرفاً واحداً وهو الهيجان المفيض إلى النطق". وهذا هو الفرق بين الشعر والنثر البليغ، وصلتهما بالمطبوع والمصنوع وما بينهما من اختلاف. والأصل هو الكلام المطبوع، وأما "المتصنع في أوَّل أمره فهو مخادع، ومنافق، لا روح في كلامه" (ص20).

وتكلم على طريق البلاغة، وقال:" إِنَّ الكلام ليس إلا الإبلاغ، ولا يتم ذلك إلاَّ بمطابقته بالأَصل الأول، وبالذي في خيال المتكلم، وبكونه واضح الدلالة، وصائب الإشارة، وبكونه مُؤثراً حسب حال المستمع، إِمّا لينا سائغاً أو خشناً دامغاً" (ص21) وأوضح هذه الوجوه، ثم انتقل إلى طرق التوضيح من جهة استعمال الألفاظ، وقال إِنَّ العرب أطول باعاً في ذلك إذ إِنَّ "لهم ألفاظاً خاصة تحت كل جنس عام أكثر من سائر اللغات، فيصورون الشيء ويمثلونه مُشَخَّصاً بين يديك من غير ضم صفة، وفي ذلك لهم طرق كثيرة:

الأول: وجود الأسماء الدالة على أنواع جنس واحد.

والثاني: وجود الأفعال ...

والثالث: من جهة الاشتقاق للدلالة على التأنيث، والتثنية، وجمع القلة، وعلى الشدة" (ص24).

وتكلم على الصوت وقال إِنَّ له "دلالة على بعض المعاني لمناسبة بينهما، وما من لغة إلا وفيه آيات على ذلك، وأما لغة العرب فالدلالة فيها أكثر وأبين من أن ينكره منكر. وأعجب من صاحب (دلائل الأعجاز) كيف غمض عينه عن هذا الأمر، وردّ على العلماء الذين جعلوا للفظ حظَّاً في مزية الكلام من جهة صوته" (ص26). وكان ابن جني قد عقد "باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني" و"باب في إحساس الألفاظ أشباه المعاني" (الخصائص ج2 ص145 وما بعدها)، وتحدث ضياء الدين بن الأثير عن "قوَّة اللفظ لقوَّة المعنى" (المثل السَّائر ج2 ص60). ولم ينكر عبد القاهر الجرجاني الألفاظ، ولكنه لا يُرْجِعُ إعجاز القرآن الكريم إليها، يقول:" واعلم أَنا لا نأبى أَنْ تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان داخلاً فيما يوجب الفضيلة، وأَنْ تكون مما يؤكد أمر الإعجاز، وإِنما الذي نُنكره ونُفَيِّل رأيَ من يذهب إليه، أَنْ يجعله مُعْجِزاً به وحده، ويجعله الأصل والعمدة، فيخرج إلى ما ذكرنا من الشناعات" (دلائل الإعجاز ص522).

لقد فصَّل الفراهي القول في هذه المسألة، ثم عاد إلى عبد القاهر وقال:"والعجب كل العجب كيف غلب الوهم على صاحب (دلائل الإعجاز) فزعم أَنَّ المتكلم لا يعنيه إلاّ المعنى، ولا هَمَّ له في الألفاظ من جهة جواهرها، وخالف جمهور العلماء" (جمهرة البلاغة ص31).

وتكلم على الوضاحة من جهة اختيار المعاني، وقال:" إِنَّ العرب كما أَنَّهم اختاروا للمعاني من الألفاظ ما يكون أحسن تصويراً لها، فكذلك أَنّهم اختاروا لها من المعاني ما يكون أرفقَ لتوضيحها وَرَفْعِ إبهامها" (ص32). وذكر أمثلة شعرية كثيرة إيضاحاً لهذا الموضوع، وقد أكمل المبحث بالكلام على تصوير الشيء بالتشبيه، والاستعارة، والتمثيل، والمجاز وقال:"إِنّ التَّصوير غير محصور في التشبيه وله طرق كثيرة" (ص39) ثم قال:" إِنَّ المثال والتشبيه، والاستعارة، والمجاز تأتي بما يفصح عن صفة من غير جعل الشيء شيئاً آخر، فلا بُدَّ من مغايرة بين المشبه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير