تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السبب لأن العبد بإرادته وقدرته هو سبب وجود تلك الأعمال ... " ([ lv]).

وهذه السورة رغم قصرها صورت النقص في الإنسان وما يفضي إليه من الخسران كما صورت مراتب الكمال وما يفضي إليه من الهدى والفلاح إذ لا يزال الإنسان يرقى في كماله من الإيمان إلى العمل الصالح فالتواصي بالحق والمعروف والخير والصبر وحبس النفس عن الجزع في السلم والحرب ([ lvi]).

ـ[ايام العمر]ــــــــ[16 - 09 - 2006, 05:32 م]ـ

الإنسان في سورة "التين":

بدأت هذه السورة بالقسم "وأداته الواو وتعدت ألفاظ المقسم به" والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين" وهي أقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه كثير من المفسرين ([ lvii]). وقد يُراد بـ "التين والزيتون" الشجران المعروفان ([ lviii]) وأقسم بهما لأنهما عجيبان من بين أصناف الأشجار المثمرة ([ lix]). وقيل خص التين بالقسم لأنها فاكهة مختصة لا عجم فيها شبيهة بفواكه الجنة والزيتون تمر ودهن يصلح للاصطباغ والاصطباح ([ lx]). وبعد القسم جاء بالمقسم عليه وهو خلق الإنسان في أحسن تقويم ورده أسفل سافلين.

والخلق يعني تكوين وإيجاد للشيء، وخلق الله جميع الناس هو إيجاده للأصول الأولى في بدء الخليقة وخلق الأسباب لتولد الفروع عن الأصول ([ lxi]) ومن معاني خلقه أيضاً انشاؤه على ما هو عليه من القوى الظاهرة ([ lxii]). وقد جاء الفعل مؤكداً بمؤكدين "اللام" و"قد" وقد دخلت "قد" على الفعل الماضي فقربته من الحال ([ lxiii]) وجاءت لفظة "الإنسان" معرفة بأل الجنسية ليعم بها جنس الإنسان فالله خلق كل إنسان في أحسن تقويم ([ lxiv]). وقد يكون تعريف الإنسان على الحقيقة فلا يلاحظ فيه أفراد الجنس بل الملحوظ الماهية في أصلها دون ما يعرض لأفرادها مما يغير بعض خصائصها ([ lxv]) وعليه يكون اللفظ شاملاً للمؤمن والكافر لا مخصوصاً بالثاني ([ lxvi]). وهذا الخلق جاء في "أحسن تقويم" وأحسن صفة لمحذوف أي في تقويم أحسن تقويم وأراد بالتقويم القوام لأن التقويم فعل وذاك وصف للخالق لا للمخلوق ([ lxvii]) ويجوز أن يكون مؤولاً بمعنى القوام أو المقوم أو فيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة وما بعدها في موضوع المفعول المطلق وقد ناب فيه عن المصدر صفته والتقدير قومناه تقويماً أحسن تقويم ([ lxviii])، أو "أحسن تقويم" في موضع الحال من الإنسان ([ lxix]). والمراد بذلك جعله على أحسن ما يكون صورة ومعنى فيشمل ما له من انتصاب القامة وحسن الصورة والإحساس وجودة العقل وغير ذلك ([ lxx]).

وقد استخدم التعبير الحرف (في) ليفيد الظرفية المجازية المستعارة لمعنى التمكن أو الملك فهي مستعملة في معنى باء الملابسة أو لام الملك وإنما عدل عن أحد الحرفين إلى حرف الظرفية لإفادة قوة الملابسة أو الملك مع الإيجاز ([ lxxi])، أو هي حال من الإنسان ([ lxxii]).

ثم ماذا بعد الخلق العظيم .. الرد إلى أسفل سافلين وقد يكون الرد بمعنى الجعل وعليه تكون أسفل مفعولاً ثانياً لـ "رددناه" ([ lxxiii])، والمقصود بالسافلين أصحاب النار أو أهل الدركات أو أسفل السافلين في الصورة والشكل حيث نُكِّس في خلقه فقوس ظهره وضعف سمعه وبصره وكان بضاً وضعف سمعه وبصره وكانا حديدين وتغير كل شيء فيه ([ lxxiv])، ولو كانت أسفل سافل لكان صواباً لأن لفظ الإنسان واحد إلا أنه قيل "سافلين" على الجمع لأن الإنسان في معنى الجمع ([ lxxv])، وقد تكون أسفل اسم تفضيل أي اشد سفالة وأضيف إلى سافلين الموصوفين بالسفالة فالمراد أسفل سافلين في الاعتقاد بالخالق بقرينة قوله تعالى"إلا الذين آمنوا"، أو مفعولاً ثانياً لـ "رددناه" ([ lxxvi])، أو حالاً من المفعول في الفعل رددناه ([ lxxvii]) أو صفة لمحذوف أي مكاناً أسفل سافلين ([ lxxviii]) أو ظرفاً أي مكاناً أسفل ما يسكنه السافلون فإضافة "أسفل" إلى "سافلين" من إضافة الظرف أو بنزع الخافض أي إلى أسفل سافلين وذلك هو دار العذاب فالرد مستعار لمعنى الجعل وإسناد الرد إلى الله على هذا الوجه حقيقي ([ lxxix]) وقد يكون إسناد الرد مجازياً لأن الله هو الذي يكوِّن الأسباب العالية ونظام تفاعلها وتقابلها في الأسباب الفرعية حتى يصل إلى الأسباب المباشرة ([ lxxx]).

ولتحديد زمن هذا الرد والتحول أهو بعد الخلق الحسن مباشرة أم هناك زمن فاصل بين الحدثين المهمين "الخلق في أحسن تقويم" و"الرد أسفل سافلين" جاء بالحرف العاطف "ثم" لإفادة الترتيب والتراخي الزماني أو الرتبي ([ lxxxi]) لأن الرد أسفل سافلين والذي كان بعد خلق الإنسان محوطاً بأحسن تقويم عجيب لما فيه من انقلاب ما جُبل عليه وتغيير الحالة الموجودة أعجب من إيجاد حالة لم تكن ولأن المقصود من الكلام إن الذين حادوا عن الفطرة صاروا أسفل سافلين ([ lxxxii]). وحتى لا يفهم من الرد أسفل سافلين أن هذه هي النهاية الوحيدة والبشعة لكل إنسان جاء الاستثناء في قوله "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون" وهو استثناء متصل من الضمير في "رددناه" والعائد على الإنسان لأنه في معنى الجمع إذ المؤمنون لا يردون أسفل سافلين يوم القيامة ولا تقبَّح صورهم بل يزدادون بهجة إلى بهجتهم وحسناً إلى حسنهم وقوله "فلهم" مقرر لما يفيده الاستثناء من خروجهم عن حكم الرد ومبين لكيفية حالهم ([ lxxxiii])، وقد يكون و>جه اتصاله في عموم الإنسان أنه لما أخبر سبحانه عن الإنسان بأنه رد أسفل السافلين ثم استثنى من عمومه الذين آمنوا بقي غير المؤمنين في أسفل سافلين والمعنى إن الذين آمنوا بعد أن ردوا أسفل سافلين أيام الإشراك صاروا بالإيمان إلى الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها فرجعوا إلى أصلهم أي إلى أحسن تقويم ([ lxxxiv]).

وقد يكون الاستثناء منقطعاً كأنه قيل لكن الذين آمنوا لهم أجر غير ممنون وهو لدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره فلا يرد أنه كيف يكون منقطعاً والمؤمنون داخلون في المردودين إلى أرذل العمر غير مخالفين لغيرهم في الحكم والانقطاع لأنه لم يقصد إخراجهم من الحكم وهو مدار الاتصال والانقطاع ([ lxxxv]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير