تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[ايام العمر]ــــــــ[16 - 09 - 2006, 05:34 م]ـ

من عرض ملامح التصوير في السورتين الكريمتين لحظنا ما يأتي:

· مجيء التصوير جواباً للقسم فيه إشعار بأهمية الموضوع الذي يعرضه التصوير وفيه لفت للحس السليم إلى مضمونه ولمَّا كان المقسم به عند العرب غالباً ما يكون أمراً جليلاً إذ دائماً يقسمون بعمرهم وحياتهم وبالعزة والرأس ([ lxxxvi]) فلابد وأن يكون الموضوع الذي يستدعيه جليلاً أيضاً إضافة إلى أن القسم ما جاء أصلاً إلا ليقرر أمراً ما ويثبته في النفوس أو ينفيه ويزعزعه وفي الحالتين يثير تفكير الإنسان ويبعثه على التساؤل عما ورد القسم من أجله.

· التناسب العجيب بين المقسم به في السورتين وبين موضوع القسم ومناط التصوير وهو "الإنسان بين الكفر والإيمان" فالقسم بالعصر – سواء على معنى الصلاة المعروفة أو العشي أو مطلق الزمان أو عصر النبوة وما بعده. وبالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين، قسم بأمور حسية ولمَّا كانت المثيرات الحسية لها دور كبير في المدركات العقلية أمكن بذلك أن يصل الإنسان إلى إدراك حقيقة وجود خالق مدبر موجد لكل هذه الأمور وبالتالي يصل إلى الإيمان بالله إذ أن في زيادة المنبهات الحسية التي تؤثر على حواس الفرد وعقله زيادة في نسبة إحساسه ولفت العقول لخلق الكائنات وإيجادها من العدم يطلق عليه العلماء (دليل الاختراع) ([ lxxxvii])، كما أن الواو وهي أداة القسم قد خرجت عن أصل معناها اللغوي إلى معنى بلاغي هو اللفت بإثارة بالغة إلى حسيات مدركة لا تحتمل أن تكون موضع جدل ومماراة توطئة إيضاحية لبيان معنويات يمارى فيها أو لتقرير غيبيات لا تقع في نطاق الحسيات والمدركات كما تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن ([ lxxxviii]).

كما أن في القسم بهذه الأمور تذكير بأمور عظيمة ونِعم جليلة تستدعي من الإنسان وقفة تأمل ففي السورة الأولى لفت إلى قيمة الوقت الذي يحياه الإنسان وتنبيه إلى محدوديته مهما طال ووجوب استغلاله فيما يحقق الربح وينجي من شبح الخسارة، وفي السورة الثانية عرض وتذكير بنعم الله العامة سواء المادية منها والمتجلية في خلق الزروع – والتين والزيتون من أجلها وأكثرها منافع – أو المعنوية المتمثلة في إرسال الرسل لهداية البشرية إلى الإيمان وطريق الفوز والنجاة فإذا أنكر الإنسان هذه النعم العامة – المادية والمعنوية – فكيف يغفل تلك النعمة الخاصة وهي خلقه في أحسن تقويم.

· ساهمت الألفاظ والصيغ والحروف والتراكيب في إبراز جوانب التصوير بشكل يوحي أن تلك اللفظة أو الصيغة أو الحرف والتركيب ما وجد إلا لأداء هذا المعنى دون غيره فالدلالة لا تقف عند حدود المفهوم المعجمي فالألفاظ تصور المدلولات لا من قبيل الدلالة المعنوية فقط ولكن من قبيل الطريقة التصويرية التخييلية، بل إن اللغة نفسها " معنى موضوع في صوت ([ lxxxix]) وهي تكشف لنا بذلك عن أعيان المعاني في الجملة وحقائقها في التفسير وأجناسها وأقدارها وخاصها وعامها ([ xc]) ، ففي إيراد لفظة "الإنسان" دون غيرها من ألفاظ مرادفة تركيز على الإنسان باعتبار إنسانيته لا انتمائه إلى جنس البشر فالإنسانية هي مناط الاختلاف بين الإنسان المخلوق وغيره من المخلوقات لا الشكل وتركيب الأعضاء مما يشعر بأهليته لتلقي الشرائع وحمل الأمانة والتكليف، والمسؤولية والحساب.

والنحو نظام يبسط اللغة ولا يشرحها شرحاً دقيقاً لأن هناك إمكانات كثيرة هائلة لا تكمن في اللفظة من حيث وضعها النحوي بل ما تحويه من إمكانات معنوية هائلة ([ xci]). فهناك فروق دقيقة بين الاسم والاسم وبين الصفة والاسم ([ xcii]). لذا جاء المصدر "خسر" عوضاً عن الصفة خاسر ليزيد من إيحاءات اللفظة وتأثيرها على عقل السامع وقلبه وقد يحقق ذلك لوناً من تعميم الدلالة وإطلاقها من المعنى المعجمي الضيق إلى المعنى الدلالي الواسع ([ xciii])، فالإنسان حين يضل عن طريق الهدى ويعمى قلبه عن نور الإيمان لا يتصف بهذه الصفة "خاسر" بل هو واقع في أصل الفعل ومصدره "الخسر" ومجي اللفظه في حال التنكير فيه إطلاق وعدم تقييد بمعين مما يفتح باب الخيال على مصراعيه فلنا أن نتخيل كل ألوان الخساره وأصنافه ودرجاته ومراتبه وما يتضمنه من آثار نفسيه ومعنوية وغير ذلك مما يوحي به تنكير اللفظة. كما أن فيه تخويف للإنسان إن عرف أن حاله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير