تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قيل: قد أنكر الإمامان أحمد والدارقطنى حديثه، ونسبا حريثاً إلى الوهم، وقالا: قتادة يخالفه، فقد رواه روح ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حمران عن بعض أهل الكتاب؟.

ففى ((علل الدارقطنى)) (3/ 29/265): ((وسئل عن حديث حمران عن عثمان عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ شَيْءٍ يَفْضُلُ عَنْ ابْنِ آدَمَ من جِلْفِ الخُبْزِ .... )) فذكره. قال: كذا رواه حريث بن السائب عن الحسن عن حمران عن عثمان عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهم فيه. والصواب عن الحسن عن حمران عن بعض أهل الكتاب)).

قلنا: لا يوجب ذلك نكارة حديث حريث بن السائب المسند الموصول، ولو ثبت سماع قتادة من الحسن، وابن أبى عروبة من قتادة، فكيف وهما مدلسان، ولم يصرح واحد منهما بالسماع؟!!.

وثمَّة مرجِّح لحديث حريث المسند الموصول، فإنه يشبه فى بعض معانيه ودلالته ما أخرجه مسلم فى ((صحيحه)) (18/ 94. نووى) قال: حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ ـ يعنى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ـ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، قَالَ: ((وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأَمْضَيتَ)).

وقال (18/ 94): حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الْعَلاءِ بن عبد الرحمن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ)). وحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَه. [الثانى]

بيان معنى الحديث، وأنه لا تعارض بينه وبين الأحاديث المرغبة فى الغنى. فنقول:

قوله ((ليس لابن آدم حق فى سوى هذه الخصال)): أراد بالحق ما وجب له من الله من غير تبعة فى الآخرة ولا سؤال عنه، لأن هذه الأشياء الأربعة: ما يسد به جوعته، وما يدفع به ظمئه، وما يستر به عورته، وما يستكن به من الحر والبرد من ضروريات ابن آدم ولا غنية له عنها، ويدل على هذا المعنى أن الله تعالى لما أسكن آدم عليه السلام الجنَّة قال ((إنَّ لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى))، ويؤيده ما أخرجه مسلم فى ((صحيحه)) من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه) ومن حديث عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا))، ولفظه عند ابن حبان ((اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً)). وفيه من حديث أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف)). قال القرطبى: يُفهم منه بحكم دليل الخطاب أن ما زاد على الكفاف يتعرض صاحبه للوم اهـ. وكان الحسن وقتادة يقولان: ثلاث لا يسئل عنهن ابن آدم، وما خلاهن فيه المسألة والحساب إلا ما شاء الله:كسوة يواري بها سوءته، وكسرة يشد بها صلبه، وبيت يظله.

فإذا بان هذا المعنى من الحديث بدلالة هذه الآثار وغيرها، عُلم أن القدر الزائد على هذه الخصال الأربع فهو من النعيم الذى يعظم السؤال عنه فى الآخرة، لقوله تعالى ((ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير