وراجع أيضًا ترجمة يحيى بن راشد المازني البصري، وأبي علقمة الفروي هارون ابن عبد الله، ومعارك بن عباد من ((التهذيب)). وترجمة عبد الرحيم بن كردم من ((الميزان)) و ((تاريخ الإسلام)) (10/ 323).
فالذي يظهر لي أن هذه الكلمة من ابن حبان لا تفيد توثيق الراوي إلا إذا انضاف إليها شيء آخر، فهي خاضعة للقرائن؛ مثل إكثار الراوي، وكلام أهل العلم فيه ([17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=802538#_ftn17)) ، وسياقِ كلام ابن حبان، فلربما ظهر من كلامه أنه عرفه معرفةً جيدة، فيعد توثيقًا حينئذٍ.
وبعد كتابة ما تقدم وقفت على تعليقٍ للعلامة الألباني على ((التنكيل)) يقوِّي هذا الذي ذكرته من التثبت من قول ابن حبان: ((يخطئ)).
قال الشيخ الألباني ~ (1/ 362):
((إنه يصف من يورده في ((الثقات)) بصفةٍ تدلُّ على أنه ضعيفٌ من قبل حفظه، كقوله في عبيد الله بن الأخنس: ((يخطئ كثيرًا)). وقوله في عبيد الله بن سعيد بن مسلم وغيره: ((يخطئ))، وهما عنده بمعنى واحد، فإنه أورد ابن مسلم هذا في ((الضعفاء)) أيضًا فقال: ((كثير الخطأ فاحش الوهم ... )).اه بتصرفٍ يسير. فالحمد لله على توفيقه.
ثانيها: أن محمدًا - هذا - لم يرو عنه سوى نافع بن سليمان وهشيم، ومعلومٌ أن أكثر ما يقع من التساهل في توثيق ابن حبان فيمن لم يرو عنه إلا الواحد والإثنان ([18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/editpost.php?do=editpost&postid=802538#_ftn18)) ، فلا تركن النفس لقبول حديثه، لا سيما مع عدم معرفة ابن معين والدارقطني له.
وقد رأيتُ الحافظ سلك نحوًا من هذا المسلك فيمن هو أرفع حالاً من محمد هذا.
فيحيى بن المتوكل روى عنه جماعةٌ، وقال ابن معين: ((لاأعرفه)). فقال الحافظ في ((النكت)) (276): ((أراد به جهالة عدالته لا جهالة عينه، فلا يعترض عليه بكونه روى عنه جماعة ... وأما ذكر ابن حبان له في ((الثقات)) فإنه قال فيه مع ذلك: ((كان يخطئ))، وذلك مما يتوقف به على قبول أفراده)).اه باختصارٍ.
أقول: فكيف إذا خالف؟!
ثالثها: إن عدم معرفة ابن معين والدارقطني له يدلُّ على قلة ما له من أخبارٍ، فإذا كان مع قلة أحاديثه يخطئ دلَّ على أنه ضعيفٌ، إذ الخطأ إنما يغتفر مع الكثرة والضبط.
فقول محدِّث مصر أبي الأشبال في ((شرح الترمذي)) (1/ 400): ((ووقوع الخطأ من الراوي في بعض رواياته لا يمنع إصابته فيما لم يخالفه فيه غيره، وأولى أن يصيب فيما وافق غيره فيه)). لا يستقيم مع حال محمدٍ هذا، ولو سلمنا به فقد خولف محمد ممن هو أحفظ من مائتين مثله؛ كما يقول ابن خزيمة!
فتقرَّر بهذا أن محمد بن أبي صالح مجهول، كما قال الدارقطني والذهبي، ووافقهم الشيخ المعلمي رحمهم الله.
ولكن حكى الترمذي عن البخاري أنه رجَّح حديث أبي صالح، عن عائشة على حديث أبي هريرة، وفي هذا توثيقٌ ضمنيٌّ له، ولكن خالفه الأعمش وسهيل؛ فروياه عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وروايتهما مقدمةٌ عليه بلا شكٍّ.
فإن قيل: فلم لا يقال: إن أبا صالح رواه مرةً عن عائشة، ومرةً عن أبي هريرة كما صنع ابنُ حبان؟
فالجواب: أن الزيادة إنما تقبل من الحافظ المتقن، أما من لم تثبت عدالته، أو كان في أقل درجات الثقة فلا يقبل منه ذلك، والله أعلم.
وقد رجَّح أبو زرعة والعقيلي - كما في ((التلخيص)) (1/ 369) - حديث أبي هريرة على حديث عائشة، وهو ما أختاره.
وكذلك اختاره الدارقطني ...
فقال في ((العلل)) (14/ 136):
((يَروِيهِ محمد بنُ أَبي صالحٍ السمان، عَن أَبِيهِ، عَن عائِشَةَ؛ وَخالَفَهُ الأَعمَشُ، وسُهَيلُ بنُ أَبي صالح - عَلَى اختلاف عليهما - إلا أَنهما أَسنَداهُ عَن أَبي صالح، عَن أَبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ r وهُوَ الصَّوابُ، وكَذَلِكَ قال مُوسَى بنُ داوُدَ، عَن زُهَيرٍ، عَن أَبي إِسحاقَ، عَن أَبي صالحٍ، عَن أَبي هُرَيرةَ)).
* * *
ثالثًا: حديث سهل بن سعد.
¥