الثاني: أنه قد حكم إمامان بتفرد قرة بوصله، قال الدارقطني: (تفرد به قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأرسله غيره عن الزهري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-) [17] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn17)، وقال الخليلي: (هذا حديث لم يروه عن الزهري إلا قرة، وهذا ليس عند عقيل ولا غيره من المكثرين من أصحاب الزهري) [18] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn18)، ويبعد أن يتفق الإمامان على ذلك مع وجود هذه المتابعة الظاهرة -لو كانت كذلك-.
الثالث: أن الأظهر في قوله: (رفعه) بعد ذكر الزهري= أنه يقصد: أن الزهريَّ رفعه، ورفعُ الزهريِّ الحديثَ إرسالٌ له منه، وقوله -بعده-: (مثله)، أي: مثل متنه.
وقد فهم الإمام المزي أن هذا الوجه مرسل، فذكره في المراسيل من تحفة الأشراف [19] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn19).
فالراجح: أن سعيد بن عبدالعزيز يروي الحديث عن الزهري مرسلاً.
5 - النظر في رواية الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه:
رواها صدقة بن عبدالله، وهو السمين، فجاء عنه عن محمد بن الوليد الزبيدي، وعنه عن محمد بن سعيد الوصيف، فإن لم يكن أحدهما مصحَّفًا؛ فهما روايتان عن صدقة.
وسُمي ابن كعب في رواية محمد بن الوليد: عبدالله، وسُمي في رواية محمد بن سعيد: عبدالرحمن.
وصدقة هذا منكر الحديث [20] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn20)، وروايته لا يعتد بها، خاصة مع هذا التضارب فيها. وبه يظهر خطأ الاستشهاد بهذه الرواية لحديث قرة عن الأوزاعي [21] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn21).
6- الراجح عن الزهري:
ظهر مما سبق أنه اختُلف عن الزهري:
- فرواه قرة عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
- ورواه عقيل، وشعيب بن أبي حمزة، وسعيد بن عبدالعزيز، وأبو المليح الحسن بن عمر، كلهم عن الزهري مرسلاً.
وعقيل وشعيب من كبار أصحاب الزهري، ويفاضل بينهم في أوثق الناس وأثبتهم فيه، وسعيد ثقة حافظ إمام، وأبو المليح ثقة، إلا في روايته عن الزهري كلام، لكنه متابَعٌ هنا؛ فتحقق ضبطه.
وأما قرة؛ فقال فيه ابن معين: (ضعيف الحديث)، وقال أحمد بن حنبل: (منكر الحديث جدًّا)، وقال العجلي: (يكتب حديثه)، وقال أبو زرعة: (الأحاديث التي يرويها مناكير)، وقال أبو داود: (في حديثه نكارة)، وقال أبو حاتم والنسائي: (ليس بقوي)، وقال ابن عدي: (لم أرَ له حديثًا منكرًا جدًّا، وأرجو أنه لا بأس به)، وذكره ابن حبان في ثقاته.
والتمسك بكلمة ابن عدي وبذكر ابن حبان قرةَ في الثقات ليس بذي شأن، فإن كلمة الأئمة الكبار تكاد تجتمع على ضعفه، وحكم غير واحد بنكارة حديثه، وقد أنكر الإمام أحمد حديثه جدًّا، وهذا غاية في التضعيف، ولا يمكن أن تنتفي النكارة عن أحاديثه أو يوثق؛ وفي رواياته ما يدعو الأئمة إلى تضعيفهم البالغ له.
وقد تمسك بعضهم بكلمةٍ للأوزاعي في قرة، قال: (ما أحدٌ أعلم بالزهري من ابن حيوئيل) [22] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn22)، وعن هذه الكلمة جوابان:
الأول: أجاب به ابن حبان، قال: (هذا الذي قاله يزيد بن السمط ليس بشيء يحكم به على الإطلاق، وكيف يكون قرة بن عبدالرحمن أعلم الناس بالزهري، وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثًا؟! [23] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn23) بل أتقن الناس في الزهري: مالك ومعمر والزبيدي ويونس وعقيل وابن عيينة، هؤلاء الستة أهل الحفظ والإتقان والضبط والمذاكرة، وبهم يعتبر حديث الزهري إذا خالف بعض أصحاب الزهري بعضًا في شيء يرويه) [24] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn24).
الثاني: أجاب به ابن حجر، قال: (وأورد ابن عدي كلام الأوزاعي من رواية رجاء بن سهل، عن أبي مسهر، ولفظه: «ثنا يزيد بن السمط، قال: ثنا قرة، قال: لم يكن للزهري كتابٌ إلا كتاب فيه نسب قومه، وكان الأوزاعي يقول: ما أحد أعلم بالزهري من ابن حيوئيل»، فيظهر من هذه القصة أن مراد الأوزاعي: أنه أعلم بحال الزهري من غيره، لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث، وهذا هو اللائق، والله أعلم) [25] ( http://alukah.net/articles/1/6836.aspx#_ftn25).
ولا يخفى على الناظر أن التمسك بهذه الكلمة المحتملة مع تتابع الأئمة على تضعيف قرة = مما لا وجه له.
¥