[الحكم بالوضع على حديث صلاة التسبيح ليس ببعيد - للشيخ طارق بن عوض الله]
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[11 - 01 - 10, 05:44 م]ـ
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد،
فهذا كلام نفيس ذكره الشيخ أبو معاذ طارق بن عوض الله في تحقيقه لكتاب ابن الصلاح مع النكت والتقييد، في النوع الحادي والعشرين من أنواع الحديث وهو: معرفة الموضوع.
حيث أشار ابن الصلاح رحمه الله إلى تساهل ابن الجوزي في حكمه بالوضع على بعض الأحاديث في كتابه "الموضوعات" (3/ 366) فقال:
"ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيرا مما لا دليل على وضعه، إنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة" اهـ.
وضرب الحافظ ابن حجر على ذلك أمثلة فقال كما في النكت (3/ 371):
"فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل في الترغيب والترهيب وقليل من الأحاديث الحسان:
كحديث صلاة التسبيح وكحديث قراءة أية الكرسي دبر الصلاة، فإنه صحيح رواه النسائي وصححه ابن حبان وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جدا.". اهـ
فعلق الشيخ طارق على ذلك قائلا (3/ 372 - 378):
"قلت: قول الحافظ في آخر كلامه: " ... نعم، أكثر الكتاب موضوع" فيه رد صريح على من نسب ابن الجوزي إلى التساهل في الحكم على الحديث بالوضع؛ لأن التساهل لا يحكم به على الناقد إلا إذا أكثر من مخالفة شرطه، أما إذا وقع منه في الشيء بعد الشيء، هذا أمر وارد، لا يسلم منه إنسان.
ومع ذلك فالحكم على الحديث بالوضع أمر اجتهادي ظني، ولا ينبغي أن يكتفى في التعقيب على ابن الجوزي حكمه بالوضع على بعض الأحاديث بأن رواتها ليس فيهم كذاب أو متهم بالكذب، بل لا بد - مع ذلك - من إثبات أن رواة الخبر لم يأتوا بما يستنكر، كما بينا ذلك والله أعلم.
وأما ما مثل به الحافظ ابن حجر للأحاديث الحسان التي حكم عليها ابن الجوزي بالوضع تساهلا، فإن كان ما حكم عليه ابن الجوزي بالوضع من هذا الضرب مثل المثالين الذين ذكرهما الحافظ ابن حجر، فهذا أبعد ما يكون عن التساهل؛ لأن هذين الحديثين لم تجتمع في كل منهما شروط الصحيح، بل ولا الحسن، وأحسن أحوالهما أن يكونا ضعيفين، فمن حكم عليهما بالوضع لبطلانهما عنده متنا لا يقال: إنـ (ـه) تساهل.
فأما حديث قراءة آية الكرسي دبر الصلوات؛ فهو يعد - فعلا - من أوهام ابن الجوزي - أعني: في عده موضوعا -، ومع ذلك فالحديث في إسناده محمد بن حمير، وهو ليس بالقوي، فتحسينه فيه نوع مساهلة أيضا، وإنما تساهل من تساهل في تحسينه لكونه في فضائل الأعمال. والله أعلم.
وأما حديث صلاة التسبيح فلي فيه بحث مفصل من نظر فيه قطع بضعف هذه الصلاة على الأقل، ثم إذا انضاف إلى ذلك شدة التفرد فيها، كان الحكم بكونها موضوعة قويا جدا.
وقد قال الحافظ نفسه فيه في "التلخيص" (2/ 7):
"والحق أنَّ طرقه كلها ضعِيفة، وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أَنه شاذ لشِدّة الفرديّة فيه، وعدم المتابع والشّاهد من وجه معتبرٍ ومخالفةِ هيئتِها لهيئةِ باقي الصلوات، وموسى بن عبدِ العزِيزِ –المتفرد بحديث ابن عباس- وإن كان صادقا صالحًا فلا يحتمَلُ منهُ هذا التّفرّدُ" اهـ.
قلت: وقد أثبت في بحثي سالف الذكر أن موسى بن عيج العزيز هذا رغم أنه لا يحتمل منه هذا التفرد، إلا أنه أيضا خالفه من هو أرجح منه في هذا الحديث في إسناده، فرواه مرسلا ليس موصولا كما رواه موسى بن عبد العزيز، فعلى هذا يزداد الحديث ضعفا فوق ضعفه لشذوذه سندا ومتنا.
وهذا الوجه لم يتنبه إليه أغلب الذين تعرضولا للكلام حول هذا الحديث، ولا بأس أن أذكر هنا خلاصة بحثي المشار إليه، لتمام الفائدة؛ فأقول:
هذا الحديث؛ يرويه موسى بن عيد العزيز القنابري، عن الحكم بن أبان العدني، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه عن موسى: عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي، وأبوه: بشر بن الحكم، وإسحاق بن أبي إسرائيل.
أخرجه: أبو داود (1297)، وابن ماجة (1387)، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (240)، وابن خزيمة (1216)، والحاكم (1/ 318)، والخليلي في "الإرشاد" (1/ 325 – 326)، والطبراني (11/ 243)، والبيهقي (3/ 51 – 52)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1031)، والمزي في "تهذيب الكمال" (29/ 103).
¥