وموسى بن عبد العزيز هذا؛ قال فيه ابن معين: "لا أرى به بأسا"، وقال النسائي: "ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 159) وقال: "ربما أخطأ" وقال علي بن المديني: "ضعيف" – وسيأتي لفظه بتمامه -، وقال السليماني: "منكر الحديث"، وقال الحافظ: "صدوق سيء الحفظ".
فمثل هذا لا يحتمل منه التفرد بمثل هذا الإسناد وذاك المتن؛ لما فيه من غرابة ظاهرة وشذوذ بيّن.
ولذا؛ عده الذهبي في "الميزان" (4/ 212 - 213) من منكرات "موسى بن عبد العزيز" هذا، ثم قال:
"ولم يذكره أحد في كتب الضعفاء أبدا، ولكن ما هو بالحجة ... حديثه من المنكرات؛ لاسيما والحكم بن أبان ليس أيضا بالثبت."
ثم إنه خولف في إسناده:
قال ابن خزيمة بعد أن روى حديثه هذا:
" إن صح الخبر؛ فإن في القلب من هذا الإسناد شيئا ... ورواه إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة – مرسلا؛ لم يقل فيه "عن ابن عباس"؛ حدثناه محمد بن رافع: نا إبراهيم بن الحكم" اهـ.
قلت: وهذا المرسل أخرجه أيضا: الحاكم والبيهقي – كلاهما عقب الموصول -، والبغوي في "شرح السنة" (4/ 156 - 157)؛ كلهم من طريق محمد بن رافع، عن إبراهيم بن الحكم به.
وإبراهيم بن الحكم بن أبان، أضعف من موسى بن عبد العزيز؛ فإنهم اتفقوا على ضعفه، بل منهم من ضعفه جدا؛ فهذا المرسل – بادئ ذي بدء – لا يقاوم ذاك الموصول، ولا يقوى لإعلاله.
وقد أشار ابن حجر في "التلخيص" (2/ 13) إلى هذا، فبعد أن ذكر الرواية الموصولة، أعقبها بتلك المرسلة، ثم علق قائلا: "وإبراهيم ضعيف "!
أي أن موسى بن عبد العزيز- صاحب الموصول – أحسن حالا منه، فلا يقوى حال إبراهيم بن الحكم لترجيح روايته المرسلة على الموصولة.
لكن؛ مع ذلك فالذي يظهر لي أن رواية إبراهيم بن الحكم المرسلة أصح من رواية موسى بن عبد العزيز؛ وذلك لعدة أمور:
الأمر الأول: أن العلماء الذين ضعفوا إبراهيم بن الحكم، إنما تكلموا فيه وضعفوه لأنه كانت عنجه أحاديث أبيه عن عكرمة مرسلة، ثم صار بعدُ يرويها موصولة بذكر بعض الصحابة بين عكرمة والنبي صلى الله عليه وسلم.
قال عبدان الأهوازي: " سمعت عباس بن عبد العظيم يقول – وذكرنا له، أو ذكر له: إبراهيم بن الحكم -، فقال: كانت هذه الأحاديث في كتبه مرسلة، ليس فيها ابن عباس، ولا أبو هريرة – يعني: أحاديث أبيه عن عكرمة ".
وقال ابن عدي: " بلاؤه ما ذكروه، أنه كان يوصل المراسيل عن أبيه ".
قلت: وهذا الحديث الذي بين أيدينا قد رواه عن أبيه عن عكرمة مرسلا، بدون ذكر "ابن عباس" فيه؛ فقد أتى بالحديث على الجادة والصواب، ولعله حديث به من كتبه، ولم يحدث به من حفظه، فلم يخطئ فيه لذلك.
الأمر الثاني: قال عبد الله بن أحمد في "العلل" (3918) – وهو في "الضعفاء" للعقيلي، و "تهذيب الكمال" (2/ 74) -:
"سألت أبي عن إبراهيم بن الحكم. فقال: وقت ما رأيناه لم يكن به بأس، ثم قال – أظنه قال -: كان حديثه يزيد بعدنا؛ ولم يحمده ".
فقول أحمد هذا؛ يدل على شيئين:
أحدهما: أنه كان في أول أمره مستقيما، ثم طرأه الضعف بعدُ، وأن أحمد بن حنبل رحمه الله عندما كان عنده باليمن كان وقتئذ مستقيم الحال، وإنما فسد حديثه بعد ذلك.
ثانيهما: أن سبب ضعفه هو أنه كان يزيد في حديثه. والمقصود بالزيادة هنا – والله أعلم – ما ذكره من سبق كلامهم من أنه كان يوصل المراسيل، وقد يكون يقصد بالزيادة ما هو أعم من ذلك أيضا.
زهذا الحديث – كما سبق – قد حدّث به بدون الزيادة، حيث رواه مرسلا لا موصولا، فهو إذن مما حفظه وضبطه.
ثم إنه قد حدث به في أول أمره قبل أن يطرأ عليه الضعف، وقد ذكر أحمد رحمه الله أنه كان في أول أمره مستقيم الحال.
ويدل على أنه حدث به في حال الإستقامة:
الأمر الثالث: وهو أن هذا الحديث قد رواه عنه – مرسلا – محمد بن رافع – كما تقدم -، ومحمد بن رافع ممن سمع من إبراهيم بن الحكم قبل أن يطرأ عليه الضعف؛ ويدل على ذلك أمران:
أحدهما: أن رحلة محمد بن رافع كانت مع أحمد بن حنبل، وقد سبق عن أحمد أنه وقت ما كان عند إبراهيم لم يكن به بأس.
قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3/ 2/254):
" سألت أبا زرعة عن محمد بن رافع. فقال: شيخ صدوق، قدم علينا وأقام عندنا أياما، كان رحل مع أحمد بن حنبل رحمه الله ".
¥