ثانيهما: أن محمد بن رافع نفسه قد صرح بمثل تصريح أحمد، من أنه وقت ما كان عند إبراهيم بن الحكم لم يكن به بأس.
قال العقيلي في ترجمة إبراهيم بن الحكم (1/ 50):
" حدثنا أحمد بن علي الأبار، قال: قلت لمحمد بن رافع: إبراهيم بن الحكم؟ قال: بعهدنا لم يكن به بأس، ولكن اختلط بعدُ ".
فكل هذا؛ يدل على أن إبراهيم إنما حديث بالحديث نرسلا وقت الإستقامة قبل أن يطرأ عليه الضعف، فيكون الإرسال من هذه الحيثية مقدما على الوصل، فكيف إذا انضاف إليه:
الأمر الرابع: وهو أن الذي في كتاب إبراهيم بن الحكم انه مرسل لا موصول، والراوي إذا كان سيئ الحفظ يرجع إلى كتابه ويعتبر ما فيه، ولا يضر ما في الكتاب سوءُ حفظ صاحبه.
فقد قال الحافظ ابن حجر في " إتحاف المهرة " (7/ 435) عن حديثه هذا:
" ذكره ابن المديني في "العلل "، فقال: هو منكر الحديث. وقال: رأيته في أصل كتاب إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه، موقوفا على عكرمة، وموسى بن عبد العزيز راويه منكر الحديث، وضعفه " اهـ.
قلت: وقول ابن المديني هذا حاسم وقاطع لمادة الشك والتردد، وهو صريح في أن الذي في كتاب إبراهيم بن الحكم ليس موصولا كما زعم ذلك موسى بن عبد العزيز، والكتاب في مثل هذا حَكَمٌ وقاطع للنزاع.
وقول ابن المديني: " موقوفا على عكرمة "، الظاهر أنه أطلق هنا " الموقوف "، يعني المرسل، ومو مستعمل عندهم، بل قد استعمله أبو يعلى الخليلي في هذا الحديث بعينه، كنحو استعمال ابن المديني له.
قال في " الإرشاد " (1/ 325):
" وقد تفرد الحكم بن أبان العدني عن عكرمة بأحاديث، ويُسند عنه ما يَقِفُه غيره، وهو صالح ليس بمتروك؛ منها حديث التسبيح " اهـ.
فإن قيل: أين أنت من قول الحاكم:
" هذا الإسناد – يعني المرسل – لا يوهن وصل الحديث؛ فإن الزيادة من الثقة أولى من الإرسال، على أن إمام عصره في الحديث إسحاق بن إبراهيم الحنظلي – هو ابن راهويه – قد أقام هذا الإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، ووصله ".
ثم أسند رواية إسحاق بن راهويه.
قلت: هذا لا يغير من الأمر شيئا؛ لأن الشأن ليس في إسخاق بن راهويه، إنما الشأن في إبراهيم بن الحكم نفسه، فغاية ما تفيده هذه الرواية هو أن إبراهيم حدث به مرة أخرى موصولا بذكر " ابن عباس " فيه، وسمع منه هكذا إسحاق بن راهويه، وهذا لا يخلو من أحد احتمالين:
الأول: أن يكون إبراهيم بن الحكم حدث به إسحاق بن راهويه من حفظه وليس من كتابه، وحينئذ لا يغتر بروايته؛ لأن الثابت في كتابه – كما سبق – الإرسال؛ والكتاب أثبت.
الثاني: أن يكون إسحاق بن راهويه أخذ هذا الحديث عن إبراهيم بن الحكم بعد أن طرأ عليه الضعف، لا في وقت الإستقامة، وقد عرفت حال روايته في الحالتين. والله أعلم.
هذا؛ وحديث ابن عباس هذا هو أقوى أسانيد هذا الحديث، حتى إن الإمام مسلم بن الحجاج قال – كما في " الإرشاد " للخليلي (1/ 324) -: " لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا "؛ ومع ذلك فقد عرفت ما فيه من علة قادحة!
فإذا كان الأمر كما ذكرنا، فأين هذا الوجه الآخر الذي لم يطلع عليه ابن الجوزي، ويتقوى الحديث به، والحافظ نفسه يقرر – كما سلف – أن ما جاءه من متابع أو شاهد إنما جاء من وجه غير معتبر؟!
فعلى هذا، يكون حكم ابن الجوزي على هذا الحديث بالوضع أقرب الأحكام إلى الصواب. والله أعلم." اهـ
والله الموفق.
ـ[أبو زيد محمد بن علي]ــــــــ[12 - 01 - 10, 01:33 م]ـ
بارك الله فيك وفي شيخنا المحدث
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[14 - 01 - 10, 10:58 م]ـ
وفيك بارك أخي أبا زيد
ـ[أحمد سكر]ــــــــ[10 - 08 - 10, 10:21 ص]ـ
جزاكم الله خيراً أخي الحبيب على هذه الفائدة.
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[12 - 08 - 10, 12:22 م]ـ
جزاك الله خير ونفع بك، بحيث قيم، ودقة عجيبة من الشيخ طارق حفظه الله فلله دره