تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(1) هذا الحديث مشتمل على ثلاث جمل كل واحدة منها لها معنى قائم بنفسه، والموافق للترجمة منها هو الجملة الأولى، وذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أن الجمل الثلاث قد تتعلق جميعها بترجمة الباب من جهة إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجوداً حتى يأتي أمر الله.

(2) قوله (يفقهه في الدين) معناه يفهمه، يقال: فقُه بالضم إذا صار الفقه له سجية، وفقَه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقِه بالكسر إذا فهم، والمراد به الفهم في الأحكام الشرعية، أي الفهم الذي يثمر العمل ليكون فقهه وعلمه له لا عليه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((والقرآن حجة لك أو عليك)).

(3) قال الحافظ في (الفتح): ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين، أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية رضي الله عنه من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ((ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به))، والمعنى صحيح، لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهاً ولا طالب فقه، فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير. انتهى.

(4) الحديث دال على مادلت عليه الآيات الكثيرة، والأحاديث المستفيضة من وصف الله بالإرادة، ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته: تنزيهه عما نزّه عنه نفسه، وإثبات جميع ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بجلال الله، بدون تكييف ولا تمثيل، وبدون تأويل أو تعطيل، كما قال سبحانه وتعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وصفات الله تعلى كلها يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر، دون فرق بين صفة وصفة، فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العلم، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والقدرة، واليدين، والوجه، والغضب، والرضا، والاستواء على العرش، وغير ذلك، يجب إثباته له، واعتقاده على النهج الواضح الذي بينه الله بقوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذا صفاته الثابتة بالكتاب والسنة تثبت على الوجه اللائق بالله، دون أن يكون فيها مشابهاً لخلقه، فإنه يقال في الصفات ما قيل في الذات سواء بسواء، كما أنه يقال في بعض الصفات ما قيل في البعض الآخر سواء بسواء.

وإرادة الله تعالى عند أهل السنة نوعان دل عليهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: (إحداهما) بمعنى المشيئة الكونية القدرية، و (الثانية) الإرادة الدينية الشرعية، والفرق بينهما:

أن الكونية القدرية شاملة لكل شيء، لا فرق فيها بين ما يحبه الله وما يبغضه، ولابد من وقوع ما تقتضيه، وأما الدينية الشرعية فهي خاصة فيما يحبه الله ويرضاه، ولا يلزم وقوع ذلك، فالله تعالى أراد من الإنس والجن شرعاً وديناً أن يعبدوه وحده، وذلك محبوب إليه، ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل، وأراد كوناً وقدراً في بعض عباده الخير، فاجتمع لهم الأمران الكوني والشرعي، وأراد في البعض الآخر غير ذلك فوقعت في حقه الكونية دون الدينية الشرعية، فالذي أراده كوناً وقدراً: أن يكون الناس فريقين فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، ولابد من وقوع ذلك، ولو شاء غير ذلك لوقع، كما قال الله تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)، وقال (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، أما بيان الحق والدعوة إليه فهو حاصل للكل، قال تعالى (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، قال تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فحذف مفعول الفعل (يدعو) إشارة إلى العموم فيه والشمول، وأظهر مفعول الفعل (يهدي) المفيد الخصوص، فالدعوة إلى الحق عامة للجميع والهداية خاصة فيمن وفقه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير