تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما قدّره الله وقضاه لابد من وقوعه كما تقدم بيانه، ونحن لا نعلم ذلك إلاّ بواحد من أمرين: (أحدهما) وقوع الشيء، فكل ما وقع علمنا أن الله قد شاءه، لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي حركة تجري فهي بمشيئة الله، و (الثاني) حصول الإخبار بالشيء الغائب عنّا من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، سواء كان ماضياً أو مستقبلاً، فإذا أخبر عن شيء ماض علمنا قطعاً بأنه كان ووقع كما أخبر، وإذا أخبر عن شيء مستقبل علمنا قطعاً بأنه لابد وأن يقع لأن الله قد شاءه، فالأخبار الماضية كأخبار بدء الخلق مثلاً، والمستقبلة كأخبار آخر الزمان ونهاية الدنيا وغير ذلك.

وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية أن الإنسان مسلوب الإرادة مجبور على أفعاله لا مشيئة له ولا اختيار، بل له مشيئة تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، ولهذا ندرك الفرق بين الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش، والحركات الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء، وحصول الإحسان من البعض، والإساءة من البعض الآخر، فالاضطرارية لا دخل للعبد فيها، والاختيارية تجري بمشيئة العبد وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته.

ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وقوله (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)، ومن أمثلة الكونية القدرية قوله تعالى (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)، وقوله (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذين نحن بصدد الكلام عليه: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).

(5) قوله (إنما أنا قاسم والله يعطي)، أعاد البخاري الحديث في (كتاب فرض الخمس) للاستدلال بهذه الجملة على أن قسمة الغنيمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قاسم للمال حيث أمره الله، وساق مع هذا الحديث أحاديث أخرى منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنما أنا قاسم أضع حيث أُمرت)).

والمعنى: لا أعطي أحداً ولا أمنع أحداً إلاّ بأمر الله، وفي ذلك إثبات القضاء والقدر والإيمان بذلك، وأنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، وأن العباد يتصرفون في المال بحق وبغير حق، بإرادتهم ومشيئتهم، وحصول قسمته بين الناس كما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مما قضاه الله كوناً وقدراً، وأمر به شرعاً وديناً.

(6) قوله (ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)، أعاد البخاري الحديث بتمامه في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) للاستدلال بهذه الجملة على عدم خلو الأرض من معتصم بالكتاب والسنة حتى يأتي أمر الله، وأورد هذه الجملة فقط في (كتاب المناقب مشيراً إلى أن ذلك من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو منقبة لهذه الأمة.

(7) أمة محمد صلى الله عليه وسلم لها معنيان: معنى عام ومعنى خاص، فالأمة بالمعنى العام هي أمة الدعوة، وهم كل إنسان وكذا الجن من حين بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، فإن الدعوة موجهة إليهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الخمس التي أعطيها دون من قبله: ((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)).

ويدل للأمة بالمعنى العام قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).

أما الأمة بالمعنى الخاص: فهي أمة الإجابة، وهم الذين أجابوا الدعوة ودخلوا في دين الله، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، وقوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) الآية.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((ولن تزال هذه الأمة ... )) الخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير