تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الذهبي في أول جزئه (الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد): «وقد كتبت في مصنفي الميزان عدداً كثيراً من الثقات الذين احتج البخاري أو مسلم أو غيرهما بهم لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة فبعض الصحابة كفّر بعضهم بتأويل ما والله يرضى عن الكل ويغفر لهم فما هم بمعصومين وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا أصلاً وبتكفير الخوارج لهم انحطت رواياتهم (3) بل صار كلام الخوارج والشيعة فيهم جرحاً في الطاعنين فانظر الى حكمة ربك نسأل الله السلامة وهذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يطوى ولا يروى ويطرح ولا يجعل طعنا ويعامل الرجل بالعدل والقسط وسوف أبسط فصلاً في هذا المعنى يكون فصلاً بين الجرح المعتبر وبين الجرح المردود إن شاء الله.

فأما الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي وإن جرى ما جرى وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات فما يكاد يسلم أحد من الغلط لكنه غلط نادر لا يضر أبداً إذ على عدالتهم وقبول ما نقلوه العمل وبه ندين الله تعالى».

هذا من حيث اثبات العدالة والضبط التام لكل صحابي، وأما من حيث ما صنعه ابن حجر من تقديم مرتبة الصحابة على سائر مراتب التعديل فقد استشكل هذا الصنيع العلامة الصنعاني في (توضيح الأفكار) (2/ 263 - 264) فقال: «فأول المراتب توثيقاً [يعني عند ابن حجر] كون الراوي صحابياً، وظاهر هذا أن كونه صحابياً قد تضمن أنه ثقة حافظ، فصفة الصحبة قد تكفلت بالعدالة والضبط؛ وهذا لا اشكال فيه بالنظر إلى العدالة على أصل أئمة الحديث، ولكن بالنظر إلى الضبط والحفظ لا يخلو عن الاشكال، إذ الحفظ وعدمه من لوازم البشرية لاينافي الصحبة، بل لا ينافي النبوة، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نسي في صلاته وغيرها، فكيف يجعل كون الراوي صحابيا أبلغ من الموصوف بـ (أوثق الناس) ونحوه؟ والصحبة لاتنافي النسيان وعدم الحفظ (4) 000 وقد ورد علينا سؤال في هذا الشأن وكتبنا فيه رسالة وأطلنا فيها البحث، ولم أعلم من تنبه لذلك».

والجواب عن هذا الايراد هو أن ابن حجر لم يصرح بأن كل صحابي أكثر ضبطاً وحفظاً من كل من ليس بصحابي، نعم يظهر من سياقه لمراتب كتابه أنه يرى ذلك أو يرى أن أغلب الصحابة أكثر اتقاناً من أغلب أصحاب كل مرتبة من المراتب التي ذكرها بعد الصحابة، والأقرب أنه أراد هذا المعنى الثاني دون المعنى الأول؛ وإن كان مقتضاهما من الناحية العملية واحداً لأن العلماء جمدوا على هذا الأصل الأغلبي ولم يخرجوا عنه في حق أحد من الصحابة لأسباب صحيحة يأتي ذكر أهمها في أثناء هذا التوضيح التالي.

إن الذي دفع ابن حجر الى اختيار هذا الترتيب – على ما أرى – هو أنه وجد باب نقد الصحابة من جهة أحوالهم في الرواية مسدوداً، فكلهم باجماع من يعتد به عدول ضابطون، ثم وجد تقسيمهم - من حيث الضبط الذي عندهم - الى مرتبتين أو أكثر كما فعل في حق من سواهم من الثقات صعبا عسيراً، بل انه يكاد يكون مستحيلاً، فإنه لم يقدر ولن يقدر عليه أحد من المحدثين، فأعرض عن التقسيم واضطر الى جعلهم في مرتبة واحدة، ثم كأنه نظر فرأى نفسه بين خيارات ثلاثة:

أولها: أن يجعلهم في مرتبة الثقات التي هي عنده الثانية في مراتب توثيق من سوى الصحابة.

وثانيها: أن يجعلهم في التي قبلها، وهي الاولى من ذلك.

وثالثها: أن يفرد لهم رتبة يجعلها فوق هاتين الرتبتين؛ ثم استقر رأيه على هذا الثالث، وفيه من المحاسن أن لا يجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيرهم في مرتبة من مراتب نقد الرواة، فإن افرادهم بمرتبة تختص بهم هو الأنسب الأكمل، وفيه منها أيضاً أن لايقدم غيرهم من الرواة عليهم، ولا لوم على ابن حجر في هذا الصنيع، فإن أغلب الصحابة أكثر ضبطاً واتقاناً من أغلب الذين وصفهم النقاد بـ (أوثق الناس) أو (ثقة ثقة) أو نحوهما من ألفاظ المرتبة الثانية من مراتب التقريب، والحكم الاجمالي انما يكون للغالب كما هو مقرر معروف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير