تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: ولكن ينبغي الانتباه إلى أن الراوي الذي يحتج بحديث من أحاديثه أحد الشيخين في الأصول لا يلزم من احتجاجهما به أكثر من كونه ثقة في شيخه في ذلك الحديث، نعم إن الأصل في الذين احتج بهم الشيخان في الأصول، أنهم ثقات مطلقاً، ولكن خرج عن هذا الأصل غير قليل من ثقات رجالهما، فمنهم من هو ضعيف في بعض شيوخه أو بعض أوقاته، أو بعض البلدان، أو بعض الرواة عنه، أو في بعض كيفيات أدائه كتحديثه من حفظه.

ومما يتعين اعتباره أيضاً أن اكثار البخاري عن الرجل في الأصول يقتضي من تقويته ما لا يقتضيه ذلك من مسلم وما لا يقتضيه إقلالهما عنه إلا اذا قامت قرينة على أن الإقلال إنما كان لسبب غير متعلق بضبط ذلك الراوي (2).

7 - تساهلهما في تقوية الراوي إذا اجتمع في حقه ثلاثة أمور:

الأول: أن لا يعلم فيه جرح.

والثاني: أن يروي عنه ثلاثة رواة ثقات أو أكثر.

والثالث: أن يرد فيه أدنى توثيق قولي مثل توثيق ابن حبان ونحوه من المتساهلين، أو أدنى توثيق فعلي مثل أن يكون ذلك الراوي من شيوخ من قيل فيهم أنهم لا يروون إلا عن ثقة، أو أن يثني عليه بعض العلماء أو بعض الرواة؛ ولهذا السبب ونحوه أكثرا جداً من مخالفة ابن حجر في المرتبة الخامسة من مراتب النقد في كتابه، برفع الراوي إلى المرتبة الرابعة منها.

8 - استنادهما في إطلاق توثيق كثير من الرواة إلى أمور من شانها أن تقوي الراوي ولكنها غير كافية لتوثيقه التام، وإنما غايتها أن يكون بسببها صدوقاً، واعتادا أن يؤيدا تلك الأمور بنحو قولهما: «ولا نعلم فيه جرحاً»؛ مع أنه من المعروف أن الذي لا يعلم فيه جرح قد يكون ثقة أو صدوقاً أو مجهولاً، فليس الثقة وحده هو الذي لا يعلم فيه جرح، فلا يسوغ تأييد إطلاق التوثيق بمثل هذا النفي.

9 - استعملا كلمة (ضعيف) لمعنى غير الذي استعملها له الجمهور ومنهم ابن حجر؛ وفي ذلك إيهام كما تقدم في الكلام على هذه المسألة ونحوها.

10 - لم يصيبا فيما ادعياه من معنى (صدوق) عند عبد الرحمن بن مهدي؛ قالا (1/ 41): «وكان عبد الرحمن بن مهدي يستعمل لفظة الصدوق للثقات الذين هم دون الاثبات، فقد قيل له: أبو خلدة ثقة؟ فقال: كان صدوقاً وكان مأموناً، الثقة سفيان وشعبة. وأبو خلدة هذا مجمع على توثيقه (3) كما بيناه في تحرير أحكام التقريب، ومع ذلك قال ابن حجر في التقريب: صدوق، لعدم إدراكه لمدلول هذا اللفظ عند ابن مهدي، كما يظهر».

أقول: هذا المثال الواحد الذي ذكراه لا يكفي لبناء قاعدة عليه؛ فإنه يحتمل أربعة معان.

الأول: ما ذكراه، أي أن ابن مهدي كان يطلق كلمة (صدوق) على الثقات الذين هم المرتبة الثالثة من مراتب الرواة في تقريب التهذيب، ولا يطلقها على من دونهم خلافاً لسائر المحدثين.

والثاني: أنه لم يكن يفرق بين الثقة والصدوق من الرواة فكان يطلق على كلا الرجلين كلمة (صدوق).

وهذا الاحتمال الثاني ضعيف مردود يعلم ضعفه بأدنى تأمل في السؤال الموجه إلى الامام عبد الرحمن بن مهدي وجوابه عليه.

والثالث: أن معنى الصدوق عنده هو معناها عند الجمهور، أي أن الموصوف بها يكون حسن الحديث لا صحيحه، ولكنه أنزل أبا خلدة وهو ثقة عنده اليها، لانه حكم عليه بالنسبة إلى سفيان وشعبة ونظرائهما من أكابر الحفاظ وأمراء المؤمنين في الحديث، فأراد أن يجعل بينه وبينهم فرقاً وأن يؤخر رتبته عن رتبتهم، فلما سمى هؤلاء ثقات لم يجد بداً من أن يصفه بكلمة صدوق، أو نحوها مما يؤدي معناها؛ فان المقام الذي فيه مقارنة الراوي بهؤلاء الأساطين مقام تشديد وتعنت، أي أنه لما قال في هؤلاء الكبار ثقات فقط من غير توكيد مبين لعظم إتقانهم وعلو كعبهم بين الثقات فانه لا مانع حينئذ أن يوصف مثل أبي خلدة بجانبهم بانه صدوق مأمون، بل إن ذلك هو المتعين في حقه هنا، وهو الذي لا سبيل إلى أكثر منه وإلا فإنه لو قال فيه: (ثقة) أيضاً لساواه بهم وهو في الحقيقة دونهم، والحاصل أنه وصفه بكلمة (صدوق) وأراد بها معناها الاصطلاحي المعروف، وسوغ ذلك عنده بل ألجأه إليه أن المقام مقام تشديد وتعنت، مع أنه يظهر أنه لو سئل عنه بمفرده ومن غير أن يتقدم ذلك السؤال في ذلك المجلس كلام في غيره من المحدثين ولا قرينة مانعة من إطلاق التوثيق لصرح بتوثيقه التام وأطلق عليه كلمة (ثقة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير