تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمنزلة الرابعة: منزلة متروك الحديث وذاهب الحديث وكذاب.

ومقصوده بالنظر الذي ذكره في مرتبة الصدوق هو النظر الذي يتبين به صلاحية الحديث للاحتجاج به من عدمها، وهذا بخلاف مقصوده به في مرتبة لين الحديث، فإنه هناك يريد النظر المميز بين أهلية الحديث للاستشهاد به من عدمها؛ وإنما لم يقل في حديث الثقة والمتقن الثبت انه ينظر فيه وان كان قد يعتريه الوهم، لأن الوهم في حديث هؤلاء نادر ولا يكاد يطلع عليه الا علماء العلل والمتبحرون في علم الحديث. وهذا الذي بينته هنا تنبيه مهم فاحرص عليه.

الرابع: أن صاحبي تحرير التقريب لم يسبقهما إلى هذا القول الغريب الذي قالاه هنا - فيما اعلم - احد من علماء الحديث، بل هم سبقوهما إلى خلافه كما يعلم من كتب المصطلح وكتب الجرح والتعديل وكتب التخريج.

الخامس: انه يبعد ان يكون معنى كلمة (صدوق) عند ابن ابي حاتم هو الضعف الذي ينجبر بالمتابعات والشواهد ثم يعود فيستعملها في ثقات شيوخه بمعنى ثقة مطلقاً كما جاء في تنبيهات صاحبي التحرير في مواضع عديدة من كتابهما منها (2/ 65)، فان هذا لو وقع من ابن ابي حاتم لكان كالتناقض منه، وهذا ما لا يليق به ولا يظن وقوعه من مثله ولا سيما أنه ليس مضطراً إليه، ولو انه وقع لبينه ولا بد ((5)).

14 - ادعيا للفظة لا بأس به عند النسائي معنى فيه نظر:

فقد حملا (لا بأس به) و (ليس به بأس) من النسائي في شيوخه على التوثيق المطلق، واستدلا بشئ من نقل أو من استقراء؛ قالا (2/ 336): «وكذلك قول النسائي (لا بأس به) انما يقوله ويريد به التوثيق بالنسبة لشيوخه».

هكذا جزما بهذا في هذا الموضع وأطلقاه، ومثله قولهما في (2/ 335 - 336)، ولكنهما قيداه في مواضع أخرى بالغلبة أو الكثرة إذ قالا (2/ 87): «وقال النسائي: (لا بأس به) وهو شيخه، وهذه اللفظة غالباً ما يطلقها النسائي على شيوخه الثقات تحرياً».

وقالا (1/ 73) فيها: «وهذا التعبير كثيرا ما يستعمله النسائي لشيوخه الثقات الذين يرتضي حديثهم بدليل قوله في موضع اخر: ثقة».

ولم يجزما حيث قالا (2/ 282): «ولعل النسائي يستعمل (لا بأس به) لتوثيق شيوخه كما بينا غير مرة». وانظر (1/ 62 و 64) منه.

فمستندهما في ذلك إذن هو تنوع عبارات النسائي في راو بعينه في كثير من الرواة، وليس فيه على مدعاهما كبير دلالة؛ بل ليس هذه الدعوى هنا بأولى من أن تعكس فيدعى أن مراد النسائي بلفظة ثقة أحياناً هو معنى لفظة (لا بأس به) عند الجمهور، فيكون النسائي ممن يستعمل كلمة ثقة بمعنى وصف الراوي بالقبول العام الشامل لمرتبتي الصحة والحسن؛ أو أَن النسائي بفرق بين لفظتي (ثقة) و (لا بأس به) ولكنه كان أحياناً يتجوز – أو يتسهل – فيطلق على من هو لا بأس به عنده كلمة (ثقة)، وكذلك ليست تلك الدعوى بأولى من أن يقال لعل النسائي كان أحياناً يتردد في الراوي فيصفه مرة بأنه ثقة ومرة بأنه لا بأس به، وعلى هذا فمن قال فيه مرة: ثقة، ومرة: لا بأس به، يكون أحسن حالاً ممن لم يزد فيه على كلمة (لا بأس به).

ولكن كلاً من هذه الدعاوى الثلاث لا تقبل الا بدليل مقبول.

واختلاف عبارتي الناقد مع اتحاد مقصديهما أو مع تقاربهما واقع في الجملة من عدد من الائمة قبل النسائي كابن معين، وبعده كالدارقطني، بل ان غير واحد من العلماء كهذين الامامين ايضا يكثر أن يقع في كلام احدهم في الراوي الواحد اختلاف معنوي غير قليل؛ ولهذين الاختلافين اللفظي والمعنوي أسباب كثيرة ليس هذا موضع بيانها.

ثم إنه لو ثبت ان النسائي قال في طائفة من الثقات عنده: (لا بأس به) فليس من الصحيح ان يجعل ذلك دليلا على تساوي تلك اللفظتين عنده مطلقاً حيث وردتا مع أنهما عند سائر النقاد متباينتان، ومع ظهور تباينهما عنده نفسه في اغلب مواضعهما ((6)).

15 - قالا (1/ 42): «واكثر المحدثين اذا قالوا في الراوي مجهول يريدون غالبا جهالة العين، وابو حاتم يريد جهالة الوصف».

أقول: هو يريد ذلك احياناً لا مطلقاً، فهو يطلق كلمة مجهول يريد بها جهالة الحال أو جهالة العين، فكأنه لا يرى بينهما فرقاً، وهو الصواب الا اذا كان الراوي عن المجهول عيناً مجهولاً أو مدلساً أو كذاباً أو كثير الرواية عن الساقطين والمتهمين ففي هذه الحالة يكون احتمال كون ذلك الراوي المجهول عيناً كذاباً أو واهياً أقوى واغلب منه في المجهول حالاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير